Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 175-179)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عمن أبطل الاستعداد الفطري ، وانسلخ من الآيات بقوله تعالى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [ الأعراف : 175 ] إلى قوله تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 178 ] الإشارة فيها : أن في قوله تعالى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } الإشارة إلى من خصَّه الله تعالى بآياته وهي : الكتاب والحكمة والكرامات والمعجزات ، وهي مخصوصة للأنبياء والأولياء ، ثم وكله إلى نفسه فمن خاصته نفسه الأمارة بالسوء أن تنسلخ منها بأن تميل إلى الدنيا وزخارفها وشهواتها ، ويتبع هواها في طلب المال والجاه والقبول والشهرة والرئاسة ، فلمَّا وقع فرغ همته العلية عن ذكر طلب الحق ومحبته أدركته ؛ فغره الشيطان وجعله من الهالكين الضالين عن الحق وطلبه ؛ ليعلم أن المعصوم من عصمه الله تعالى ، كما قال - عز وجل - في يوسف عليه السلام : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [ يوسف : 24 ] ، وفيه إشارة : إلى أن لا يأمن السالك المحق مكر الله ولو بلغ أقصى مقامات الأنبياء والمرسلين ، فلا يغلق على نفسه أبواب المجاهدات والرياضات ومخالفات النفس وهواها في كل حال ، كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة الراشدين والصحابة والتابعين وأئمة السلف والمشايخ المتقدمين ، ولا يفتح على نفسه أبواب التنعم والتمتع الدنيوي في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمركب والمسكن ؛ لأنه كما أن الله تعالى جعل في مكان الغيب للسعداء ألطافاً خفية مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وكذلك في مكامن الغيب للأشقياء أصنافاً من البلايا خفية مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فليحترز السالك الصادق بل البالغ الواصل والكامل الحاذق أن يتعرض لتلك البلايا بالتوسع في الدنيا والتبسط في الأحوال وتتبع الهوى . فإن في قوله تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } [ الأعراف : 176 ] إشارة إلى أن الطالب الصادق وإن بلغ في سيره إلى الدرجة العليا والرتبة القصوى بحيث يستحق الرفعة الإلهية ؛ وهي عبارة عن : اجتذابه من الأنانية إلى الهوية بالجذبات الربوبية ، ثم يلتفت إلى ما سوى الحق ، ويركن إلى شيء من الدنيا ، ويميل إليها ، [ فتأخذه ] الغيرة الإلهية وتستدرجه إلى أسفل دركة يماثل فيها الكلب ، كما قال تعالى : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } [ الأعراف : 176 ] يشير إلى أن يصير بالاستدراج بحيث أن نصحته ووعظته ونبهته عن حاله لم يقبل النصح ولم يتنبه ، ويتسلك بالدعاوي ويتثبت بالأعداء ويقابلك بالإنكار ويسبك بالإعراض ، وإن تركته في بلد الأرض البشرية ويتبع دعاوي الهوى فلا يغترن جاهل مغبون بأن اتباع الهوى لا يضره ، فإن الله تعالى ما عذر الأنبياء عن إتباع الهوى وأوعدهم بالضلال كقوله تعالى : { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ ص : 26 ] . { ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [ الأعراف : 176 ] ؛ أي : قوله : { كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ } مثل قوم { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } ؛ والتكذيب بالآيات : ترك العمل بها ، أو الغرور و [ إنكار ] ظهورها { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ } [ الأعراف : 176 ] أخبرهم عن أحوال المغرورين الممكورين ، { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ الأعراف : 176 ] في أحوالهم ويحترزون عن أعمالهم ، { سَآءَ مَثَلاً } [ الأعراف : 177 ] ؛ يعني : ويعملون ساء مثلاً ، { ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [ الأعراف : 177 ] ؛ لأن مثلهم { كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ } ، { وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } [ الأعراف : 177 ] بأنهم نزلوا عن مرتبة الملكية إلى الدركة الكلبية ، ثم قال تعالى : { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي } [ الأعراف : 178 ] ؛ يعني : من أدركته العناية ، وحقيقة الهداية اليوم ؛ لئلا ينزل عن المراتب العلوية إلى المدارك السفلية فهو الذي أصابه رشاش النور الذي رش عليهم من نوره ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من أصابه ذلك النور اهتدى ومن أخطأ فقد ضل " ، { وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 178 ] ؛ يعني : من خذله الله تعالى حتى اتبع هواه فأضله الهوى عن سبيل الله فهم الذين أخطاهم ذلك النور ولم يصبهم فوقعوا في الضلالة والخسران . ثم أخبر عن أمارات المخلوقين لأجل النار وصفات الكفار بقوله تعالى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [ الأعراف : 179 ] يشير إلى أن الله تعالى خلق الخلق أطواراً ، خلق طوراً منها للقرب والمحبة ؛ وهم : أهل الله وخاصته إظهاراً للحسن والجمال ، وكانوا به يسمعون كلامه ويبصرون جماله ، وبه يعرفون كماله ، وخلق طوراً منها للجنة ونعيمها ؛ وهم : أهل الجنة إظهاراً للطف والرحمة ، فجعل لهم قلوباً يفقهون بها دلائل التوحيد والمعرفة ، وأعيناً يبصرون بها آيات الحق في الآفاق والأنفس ، وآذاناً يسمعون بها خطاب الحق وكلامه ودعوة الأنبياء إلى الحق ، وخلق أطواراً منها للنار وحجبها ؛ وهم : أهل النار إظهاراً للقهر والعزة ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } [ الأعراف : 179 ] ؛ يعني : دلائل التوحيد والمعرفة . { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } [ الأعراف : 179 ] ؛ يعني : آيات الحق ، { وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } [ الأعراف : 179 ] ، يعني : خطاب الحق بسمع القلوب ، وفي الحقيقة كان يوم الميثاق هذا القول محجوبين عن شواهد بحجب الكبرياء والعزة فأثمرهم اليوم تلك البذر أثمار صفات ، { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ } [ الأعراف : 179 ] ؛ لأن الأنعام لا يعرفون الله ليحبوه ويطلبوه فهم كذلك ، { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الأعراف : 179 ] ؛ لأنهم لم يكن للأنعام استعدادهم للمعرفة والطلب ، وأنهم كانوا مستعدين للمعرفة والطلب فأبطلوا الاستعداد الفطري للمعرفة والطلب بالركون إلى شهوات الدنيا وزينتها وإتباع الهوى ، فباعوا الآخرة بالأولى ، والدين بالدنيا ، وتركوا طلب المولى فصاروا أضل من الأنعام لإفساد الاستعداد ، { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } [ الأعراف : 179 ] عن الله وكمالات أهل المعرفة والطلب وعزتهم .