Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 55-58)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن رفع الوسائط أخذاً بالحقائق بقوله تعالى : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } [ الأعراف : 55 ] إلى قوله : { تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 57 ] . الإشارة فيها : إنه تعالى لمَّا رفع حجب الوسائط بينه وبين العباد بقوله : { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [ الأعراف : 54 ] أمرهم بالرجوع في الحاجات إليه ، والتضرع في المناجات بين يديه ، فقال : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } ، والتضرع : ما يطلع عليه الخلق ، والخفية : ما يطلع عليه الحق ؛ أي : تضرعاً بالجوارح وخفية بالقلوب ، وفيه معنى آخر : ادعوا من ربكم بربكم تضرعاً قياماً بأداء حق العبودية وخفية بمطالعة حق الربوبية ، { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } [ الأعراف : 55 ] الاعتداء في الدعاء : طلب الغير منه والرضا بما سواه ، { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 56 ] في أرض القلوب ، { بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } [ الأعراف : 56 ] ؛ أي : بعد أن أصلحها الله برفع الوسائط بينه وبين القلوب وفساد القلوب في رؤية غير الحق . ويقال : من إفساد القلوب بعد إصلاحها إرسالها في أودية المنى بعد إمساكها عن متابعة الهوى ، ومن ذلك الرجوع إلى الحظوظ بعد القيام بالحقوق ، { وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } [ الأعراف : 56 ] ؛ أي : لا تدعوا أحداً غيره في الخوف والرجاء فإنه الذي يجيب ويرجى ؛ لأنه الضار والنافع والمعطي والمانع والمعز والمذل ، وأيضاً { وَٱدْعُوهُ خَوْفاً } من الانقطاع ، { وَطَمَعاً } في الاصطناع ، وأيضاً : خوفاً من الاثنينية ، وطمعاً في الوحدة . { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ } [ الأعراف : 56 ] بذل هذه الملتمسات ، { قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] الذين يذوقون الله في الطاعات ؛ أي : يعبدونه طمعاً فيه لا منه ، { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [ الأعراف : 57 ] ؛ أي : رياح العناية فينشر سحاب الهداية ، { حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } [ الأعراف : 57 ] ؛ أي : كل قلب ميت ، { فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ } [ الأعراف : 57 ] المحبة ، { فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } [ الأعراف : 57 ] ؛ وهي المشاهدات والمكاشفات وأنواع الكمالات ، { كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ } [ الأعراف : 57 ] موتى القلوب من قبور الصدور ، { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 57 ] ؛ أي : تذكَّروا أيام حياتكم في عالم الأرواح ؛ إذ كنتم تردون حياض الأنس ورياض القرب عند حظائر القدس . ثم أخبر عن البلد الطيب بقوله تعالى : { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } الإشارة فيها : أن البلد الطيب هو القلب الحي الذي أحياه الله ، { وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ } [ الأنعام : 122 ] ؛ أي : يعامل الخلق بأنوار أخلاقه الحميدة ، { وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } [ الأعراف : 58 ] ، يشير به إلى : أرض النفوس الأمارة التي لا يخرج منها إلاَّ الأخلاق الذميمة والأفعال الرديئة ، فمن كان حياً بنور الله ينعكس نور قلبه على نفسه ، فتنورت النفس فتبدلت أوصافها بأوصافه وتلاشت ظلمتها بنور القلب فتطمئن إلى ذكر الله وطاعته ، كما هو من أوصاف القلوب كقوله تعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] ، وإن كان القلب ميتاً والنفس حية فظلمات صفات النفس تطل على القلب ، وتبدل صفاته بصفاتها عند استيلاء صفاتها عليه فتجعل اطمئنانه بالدنيا وما فيها . { كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } [ الأعراف : 58 ] ؛ أي : تصرف النفوس أوصافها إلى أوصاف القلب وأخلاقه ، { لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } [ الأعراف : 58 ] ؛ أي : يعرفون قدر إنعامنا وأفضالنا في تصريف أوصاف النفس إلى أخلاق القلب ، وتصريف أخلاق القلب إلى أنوار أخلاقنا فتشكروننا على ما أظهرنا من آياتنا .