Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 59-64)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن الذي خبث بقوله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ الأعراف : 59 ] إلى قوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ } [ الأعراف : 64 ] ، الإشارة فيها : أن قوله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } يشير إلى : قوم لهم أرض نفس خبيثة ، فمن خبائثها ما نفعتها أمطار الدعوة النوحية مدة أيام حياته ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً ، وما أخبثها إفاضة الوعد والوعيد ، { فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الأعراف : 59 ] ؛ أي : عظيم نفعه وضره ، فإن من انتفع فيه انتفع برب عظيم ، فما أنجع فيهم ما أظهر من الدلالة ؛ لأن المحروم لا تنجيه الدلالة من الضلالة . { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ الأعراف : 60 ] نسبوه إلى الضلالة ؛ لأنهم نظروا إليه بنظر الضلالة فرأوا الحق ضلالة والضلالة حقاً ، { قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَـٰلَةٌ } [ الأعراف : 61 ] ؛ أي : بكم الضلالة عن الحق ، { وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي } [ الأعراف : 61 - 62 ] في الوعد والوعيد { وَأَنصَحُ لَكُمْ } [ الأعراف : 62 ] لكم بالدعوى لكم من الدنيا إلى العقبى ، ومن العقبى إلى المولى ، { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 62 ] ؛ أي : من طلبه وجده ، ومن طلب غيره لم يجده ، { أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأعراف : 63 ] وهو نظر العناية لأهل الهداية ، { عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ } [ الأعراف : 63 ] ؛ أي : مثلكم في الإنسانية والبشرية . { لِيُنذِرَكُمْ } [ الأعراف : 63 ] ويوقظكم من نوم الغفلة { وَلِتَتَّقُواْ } [ الأعراف : 63 ] عمَّا يقطعكم عن الله ، { وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الأعراف : 63 ] بالوصلة عن الفرقة { فَكَذَّبُوهُ } [ الأعراف : 64 ] فيما دعاهم إليه بسوء حظهم ، { فَأَنجَيْنَاهُ } [ الأعراف : 64 ] من ظلمات كفرهم وشؤم ضلالتهم ، { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ } [ الأعراف : 64 ] فمن كان له أرض النفس طيبة أنبتت لهم زرع الإيمان بأمطار الدعوى ؛ ففازوا بأزهار النجاة وإثمار الدرجات والقربات ، { وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ } [ الأعراف : 64 ] ؛ أي : لأنهم كانوا قوماً عمين عن رؤية آياتنا فما استحقوا لرؤيتنا ولا لطلبنا ولا لقبولنا ، وفيه إشارة إلى نوح الروح الذي أرسله إلى قومه ببلاء القلب وهم القلب وصفاته ، والنفس وصفاتها . ومن صفة الروح : العبودية ، والطاعة ، ودعوة القلب والنفس وصفاتهما إلى الله تعالى وعبوديته . ومن صفات النفس وشأنها : تكذيب الروح ومخالفته ، والإباء عن قبول النصيحة ، والتعجب والاستبعاد عمَّا يلاحظ الله به الروح ويكرمه بالإنذار ؛ ليتقوا قومه من عبادة الدنيا وزينتها لئلا تحرموا عن مساعدة الرحمة ومواصلة القربة ، فكذبوه قومه من النفس وصفاتها ، { فَأَنجَيْنَاهُ } ؛ أي : الروح من ظلمات النفس وتمردها ، { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } وهم القلب وصفاته الذين قبلوا دعوة نوح الروح وركبوا معه في الفلك وهو فلك الشريعة والدين ، { وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } ؛ أي : النفس وصفاتها في بحر الدنيا وشهواتها ، { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ } عن رؤية الله والوصول إليه .