Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 8-13)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً } [ الجن : 8 ] ؛ يعني : خواطر الحق يحرسون بماء الصدر حراسة شديدة وشهباً ؛ يعني : من نجوم خواطر السر والخفى ، { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [ الجن : 9 ] ؛ فمن يرد منا أن يستمع يصل إليه من رجم الشهاب . { وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الجن : 10 ] ؛ يعني : يرجم الشهاب ؛ لئلا يسمع من أمر السماء شيئاً ليستفيد بها لا تدري أن الله أراد بمن في الأرض البشرية شراً { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } [ الجن : 10 ] بحراسة السماء فحظك أيها السالك من هذه السورة أن يبقى وقت ورود الوارد ؛ لئلا تسرق منه القوى النفسية ، وتلبس فيها المعاني الخبيثة ، ويلقي بها إليك بعد فتور الوارد ظن أنه الوارد بما فيه من معاني الوارد المسترقة ، وتلتفت إليه ويسد عليك باب الوارد الأعلى بالتفاتك إلى معاني القوى النفسية ، وأكثر من هلك من أهل السلوك من اليونانية والنصرانية الشكمانية بهذه المعاني الملتبسة بالوارد . لأنهم إذا اشتغلوا بالسلوك ، اشتغلوا بربهم غير متشبثين بعروة نبي من الأنبياء ليرشدهم في الغيب ، ويطلعهم على الحق والباطل ، ويهديهم إلى القوى المستخلصة ، ويعرفهم خاصة القوى الملوثة ؛ فإذا أصغوا وجودهم بالرياضة قويت القوى النفسية ، وصعدت إلى سماء الصدر ، واسترقت من المعارف الربانية ، ونزلت إلى عالمها ، وكملت مع صاحبها فظن صاحبها أنها وارد غيبي ترده من عالم الرب على قلبه واطمأن بها ، واستدرج منها حتى صار إماماً في ملة الشيطان راعياً للأمم إليه ، وهو خليفة خاص الشيطان والحكماء القديمة اليونانية والرهابين المرتاضة بالنصرانية وحكماء الهند الذين أنهم ظنوا الوصول إلى المأمون حين قالوا : إنا ناصر برخاناً ، والبرخان بلغتهم : الواصل إلى الرحمن ، وهم يقولون في أثناء السلوك ، وفي الوصول بالاتحاد . وها جئنا معهم وألزمناهم بلطف الله وحسن توفيقه ومعونيته حتى أسلموا وآمنوا ، ثم بعضهم ارتدوا وماتوا على الكفر بأنهم أقروا بأن الاتحاد باطل ؛ فأما الأئمة المهدية الذين اعتصموا بحبل نبي من الأنبياء واشتغلوا بالسلوك ، أمنوا من هذه الورطة الوعيرة بأن استحكمت عقدة إرادتهم ، ذلك بولاية ذلك النبي حتى دخلت نوبة النبوة المحمدية الناسخة لجميع الأديان لكمال أدرج الله في نبوته ، أغلق المسرفون باب سمعهم بالشهاب الثاقب من أوج ولاية رسالته ؛ فمن دخل في زمرة متبعيه ، واشتغل بالسلوك على وفق إشارته سلم من القوى الخبيثة النفسية وأمن من إلقائها ، وينبغي للسالك ألاَّ يغتر بأنه يقول على اللسان : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، بأنه ممن يجوز له السلوك ؛ لئلا يغتر بجبة الغرور في شبكة المغرور ؛ لأن التشكيك أمر يختص بولاية الرسالة وينبغي أن يكون المسلك حياً في عالم البشرية ؛ ليهديك إلى الصراط المستقيم ، ويقرئك الخواطر ومنشأها ، والمسلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو إلى الذي كان وصاه بالأسرار ، وعلمه كيفية الوصول إلى عالم الأنوار وأصله إلى حضرة الله الواحد القهار ، وهو أرشد مريده ووصاه كما وصاه نبيه وعلمه وأوصله إلى الآن معنعناً متصلاً ؛ لتمكن الاستفادة من قلبه وقالبه صورة ومعنى ، ويدفع عن نفسه كيد قطاع الطريق ، ويسهل عليه العبور على مكامنهم بقوته وهمته وذكره . { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } [ الجن : 11 ] ؛ يعني : منا القوى الصالحة المصدقة ، ومنا القوى الفاسدة المكذبة لقوانا المتفرقة طرائق مختلفة باختلاف الطبائع المتضادة التي ركزت فينا ، { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } [ الجن : 12 ] ؛ يعني : علمنا يقيناً بعد استماع القرآن من اللطيفة التالية أن لن تفوته إن أراد ربنا الحق أمراً في أرض البشرية ، ولا نطيق أن نهرب منه إن طلبنا . { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } [ الجن : 13 ] ؛ يعني : الوارد والهدى الذي فيه { آمَنَّا بِهِ } [ الجن : 13 ] ، وصدقنا اللطيفة التالية فيما تلت علينا ؛ { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } [ الجن : 13 ] ؛ يعني : من يصدق الرب ، ويؤمن به فلا يخاف بخساً ورهقاً ؛ أي : نقصاً من المعرفة ولا نكرة وظلمة تغشاه بحيث يدين على قلبه .