Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 50-60)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } إلى آخر القصة أي : { وَ } أرسلنا { إِلَىٰ عَادٍ } وهم القبيلة المعروفة في الأحقاف ، من أرض اليمن ، { أَخَاهُمْ } في النسب { هُوداً } ليتمكنوا من الأخذ عنه والعلم بصدقه . فـ { قَالَ } لهم { يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } أي : أمرهم بعبادة الله وحده ، ونهاهم عما هم عليه من عبادة غير الله ، وأخبرهم أنهم قد افتروا على الله الكذب في عبادتهم لغيره ، وتجويزهم لذلك ، ووضح لهم وجوب عبادة الله ، وفساد عبادة ما سواه . ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال : { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي : غرامة من أموالكم على ما دعوتكم إليه ، فتقولوا : هذا يريد أن يأخذ أموالنا ، وإنما أدعوكم وأعلمكم مجاناً . { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ما أدعوكم إليه ، وأنه موجب لقبوله ، منتف المانع عن رده . { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } عما مضى منكم { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } فيما تستقبلونه بالتوبة النصوح ، والإنابة إلى الله تعالى . فإنكم إذا فعلتم ذلك { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } بكثرة الأمطار التي تخصب بها الأرض ، ويكثر خيرها . { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } فإنهم كانوا من أقوى الناس ، ولهذا قالوا : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] ؟ فوعدهم أنهم إن آمنوا زادهم قوة إلى قوتهم . { وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ } عنه ، أي : عن ربكم { مُجْرِمِينَ } أي : مستكبرين عن عبادته ، متجرئين على محارمه . فـ { قَالُواْ } رادين لقوله : { يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } إن كان قصدهم بالبينة البينة التي يقترحونها ، فهذه غير لازمة للحق ، بل اللازم أن يأتي النبي بآية تدل على صحة ما جاء به ، وإن كان قصدهم أنه لم يأتهم ببينة تشهد لما قاله بالصحة ، فقد كذبوا في ذلك ، فإنه ما جاء نبي لقومه إلا وبعث الله على يديه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر . ولو لم يكن له آية ، إلا دعوته إياهم لإخلاص الدين لله وحده لا شريك له ، والأمر بكل عمل صالح وخلق جميل ، والنهي عن كل خلق ذميم من الشرك بالله ، والفواحش والظلم ، وأنواع المنكرات ، مع ما هو مشتمل عليه هود عليه السلام من الصفات التي لا تكون إلا لخيار الخلق وأصدقهم ، لكفى بها آيات وأدلة على صدقه . بل أهل العقول وأولو الألباب ، يرون أن هذه الآية أكبر من مجرد الخوارق التي يراها بعض الناس ، هي المعجزات فقط . ومن آياته وبيناته الدالة على صدقه ، أنه شخص واحد ، ليس له أنصار ولا أعوان ، وهو يصرخ في قومه ويناديهم ، ويعجزهم ، ويقول لهم : { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } . { إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } وهم الأعداء الذين لهم السطوة والغلبة ، ويريدون إطفاء ما معه من النور ، بأي طريق كان وهو غير مكترث منهم ، ولا مبال بهم ، وهم عاجزون لا يقدرون أن ينالوه بشيء من السوء ، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون . وقولهم : { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } أي : لا نترك عبادة آلهتنا لمجرد قولك الذي ما أقمت عليه بينة بزعمهم ، { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } وهذا تأييس منهم لنبيهم هود عليه السلام في إيمانهم ، وأنهم لا يزالون في كفرهم يعمهون . { إِن نَّقُولُ } فيك { إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } أي : أصابتك بخبال وجنون فصرت تهذي بما لا يعقل . فسبحان من طبع على قلوب الظالمين ، كيف جعلوا أصدق الخلق الذي جاء بأحق الحق ، بهذه المرتبة التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم لولا أن الله حكاها عنهم . ولهذا بين هود عليه الصلاة والسلام أنه واثق غاية الوثوق أنه لا يصيبه منهم ، ولا من آلهتهم أذى فقال : { إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً } أي : اطلبوا لي الضرر كلكم ، بكل طريق تتمكنون بها مني { ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } أي : لا تمهلوني . { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ } أي : اعتمدت في أمري كله على الله { رَبِّي وَرَبِّكُمْ } أي : هو خالق الجميع ، ومدبرنا وإياكم ، وهو الذي ربانا . { مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } فلا تتحرك ولا تسكن إلا بإذنه ، فلو اجتمعتم جميعاً على الإيقاع بي ، والله لم يسلطكم عليَّ ، لم تقدروا على ذلك ، فإن سلطكم ، فلحكمة أرادها . فـ { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي : على عدل ، وقسط ، وحكمة ، وحمد في قضائه وقدره ، في شرعه وأمره ، وفي جزائه وثوابه وعقابه ، لا تخرج أفعاله عن الصراط المستقيم ، التي يحمد ويثنى عليه بها . { فَإِن تَوَلَّوْاْ } عما دعوتكم إليه { فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } فلم يبق عليَّ تبعة من شأنكم . { وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ } يقومون بعبادته ولا يشركون به شيئاً { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً } فإن ضرركم إنما يعود عليكم ، فالله لا تضره معصية العاصين ، ولا تنفعه طاعة المطيعين { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] [ { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } ] . { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } أي : عذابنا بإرسال الريح العقيم ، التي { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [ الذاريات : 42 ] . { نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي : عظيم شديد ، أحله الله بعاد ، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم . { وَتِلْكَ عَادٌ } الذين أوقع الله بهم ما أوقع بظلم منهم لأنهم { جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } ولهذا قالوا لهود : { مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } فتبين بهذا أنهم متيقنون لدعوته ، وإنما عاندوا وجحدوا { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } لأن من عصى رسولاً فقد عصى جميع المرسلين ، لأن دعوتهم واحدة . { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ } أي : متسلط على عباد الله بالجبروت { عَنِيدٍ } أي : معاند لآيات الله ، فعصوا كل ناصح ومشفق عليهم ، واتبعوا كل غاش لهم يريد إهلاكهم لا جرم أهلكهم الله . { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } فكل وقت وجيل ، إلا ولأنبائهم القبيحة وأخبارهم الشنيعة ، ذكر يذكرون به ، وذم يلحقهم { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } لهم أيضاً لعنة { أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ } أي : جحدوا من خلقهم ورزقهم ورباهم . { أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } أي : أبعدهم الله عن كل خير وقربهم من كل شر .