Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 61-68)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } إلى آخر قصتهم ، أي : { وَ } أرسلنا { إِلَىٰ ثَمُودَ } وهم : عاد الثانية ، المعروفون الذين يسكنون الحجر ، ووادي القرى ، { أَخَاهُمْ } في النسب { صَالِحاً } عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، فـ { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أي : وحدوه ، وأخلصوا له الدين { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } لا من أهل السماء ، ولا من أهل الأرض . { غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي : خلقكم فيها { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي : استخلفكم فيها ، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة ، ومكنكم في الأرض تبنون وتغرسون وتزرعون ، وتحرثون ما شئتم ، وتنتفعون بمنافعها ، وتستغلون مصالحها ، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك ، فلا تشركوا به في عبادته . { فَٱسْتَغْفِرُوهُ } مما صدر منكم من الكفر والشرك والمعاصي ، وأقلعوا عنها ، { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } أي : ارجعوا إليه بالتوبة النصوح والإنابة ، { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } أي : قريب ممن دعاه دعاء مسألة ، أو دعاء عبادة ، يجيبه بإعطائه سؤله ، وقبول عبادته ، وإثابته عليها ، أجل الثواب ، واعلم أن قربه تعالى نوعان : عام ، وخاص ، فالقرب العام : قربه بعلمه من جميع الخلق ، وهو المذكور في قوله تعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] والقرب الخاص : قربه من عابديه وسائليه ومحبيه ، وهو المذكور في قوله تعالى : { وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } [ العلق : 19 ] . وفي هذه الآية ، وفي قوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ } [ البقرة : 186 ] وهذا النوع قرب يقتضي إلطافه تعالى ، وإجابته لدعواتهم ، وتحقيقه لمراداتهم ، ولهذا يقرن باسمه " القريب " اسمه " المجيب " . فلما أمرهم نبيهم صالح عليه السلام ، ورغبهم في الإخلاص لله وحده ، ردوا عليه دعوته ، وقابلوه أشنع المقابلة . { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا } أي : قد كنا نرجوك ونؤمل فيك العقل والنفع ، وهذا شهادة منهم لنبيهم صالح أنه ما زال معروفاً بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وأنه من خيار قومه . ولكنه لما جاءهم بهذا الأمر الذي لا يوافق أهواءهم الفاسدة ، قالوا هذه المقالة التي مضمونها أنك [ قد ] كنت كاملاً ، والآن أخلفت ظننا فيك ، وصرت بحالة لا يرجى منك خير . وذنبه ، ما قالوه عنه ، وهو قولهم : { أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } وبزعمهم أن هذا من أعظم القدح في صالح ، كيف قدح في عقولهم وعقول آبائهم الضالين ، وكيف ينهاهم عن عبادة من لا ينفع ولا يضر ، ولا يغني شيئاً من الأحجار والأشجار ونحوها . وأمرهم بإخلاص الدين لله ربهم الذي لم تزل نعمه عليهم تترى ، وإحسانه عليهم دائماً ينزل ، الذي ما بهم من نعمة ، إلا منه ، ولا يدفع عنهم السيئات إلا هو . { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } أي : ما زلنا شاكين فيما دعوتنا إليه شكاً مؤثراً في قلوبنا الريب . وبزعمهم أنهم لو علموا صحة ما دعاهم إليه لاتبعوه ، وهم كذبة في ذلك ، ولهذا بين كذبهم في قوله : { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي } أي : برهان ويقين مني { وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً } أي : منَّ عليَّ برسالته ووحيه ، أي : أفأتابعكم على ما أنتم عليه وما تدعونني إليه ؟ . { فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } أي : غير خسار وتباب وضرر { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } لها شرب من البئر يوماً ، ثم يشربون كلهم من ضرعها ، ولهم شرب يوم معلوم . { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } أي : ليس عليكم من مؤنتها وعلفها شيء ، { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } أي : بعقر { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ * فَعَقَرُوهَا فَقَالَ } لهم صالح { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } بل لا بد من وقوعه . { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } بوقوع العذاب { نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } أي : نجيناهم من العذاب والخزي والفضيحة . { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } ومن قوته وعزته أن أهلك الأمم الطاغية ، ونجّى الرسل وأتباعهم ، { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } العظيمة فقطعت قلوبهم ، { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } أي : خامدين لا حراك لهم . { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } أي : كأنهم لما جاءهم العذاب ما تمتعوا في ديارهم ولا أنسوا بها ، ولا تنعموا بها يوماً من الدهر ، قد فارقهم النعيم وتناولهم العذاب السرمدي الذي ينقطع ، الذي كأنه لم يزل . { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ } أي جحدوه بعد أن جاءتهم الآية المبصرة ، { أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } فما أشقاهم وأذلهم نستجير بالله من عذاب الدنيا وخزيها .