Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 69-83)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } إلى آخر القصة أي : { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ } من الملائكة الكرام ، رسولنا { إِبْرَاهِيمَ } الخليل { بِٱلْبُـشْرَىٰ } أي : بالبشارة بالولد ، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط ، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم ، فيبشروه بإسحاق ، فلما دخلوا عليه { قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ } أي : سلموا عليه ، ورد عليهم السلام . ففي هذا مشروعية السلام ، وأنه لم يزل من ملة إبراهيم عليه السلام ، وأن السلام قبل الكلام ، وأنه ينبغي أن يكون الرد أبلغ من الابتداء ، لأن سلامهم بالجملة الفعلية الدالة على التجدد ، ورده بالجملة الاسمية ، الدالة على الثبوت والاستمرار ، وبينهما فرق كبير كما هو معلوم في علم العربية . { فَمَا لَبِثَ } إبراهيم لما دخلوا عليه { أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } أي : بادر لبيته ، فاستحضر لأضيافه عجلاً مشوياً على الرضف سميناً ، فقربه إليهم فقال : ألا تأكلون ؟ { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ } أي : إلى تلك الضيافة { نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } وظن أنهم أتوه بشر ومكروه ، وذلك قبل أن يعرف أمرهم . فـ { قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } أي : إنا رسل الله ، أرسلنا الله إلى إهلاك قوم لوط . وامرأة إبراهيم { قَآئِمَةٌ } تخدم أضيافه { فَضَحِكَتْ } حين سمعت بحالهم ، وما أرسلوا به ، تعجباً . { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } فتعجبت من ذلك و { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } فهذان مانعان من وجود الولد { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } . { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } فإن أمره لا عجب فيه ، لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء ، فلا يستغرب على قدرته شيء ، وخصوصاً فيما يدبره ويمضيه لأهل هذا البيت المبارك . { رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } أي : لا تزال رحمته وإحسانه وبركاته ، وهي : الزيادة من خيره وإحسانه ، وحلول الخير الإلهي على العبد { عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } أي : حميد الصفات ، لأن صفاته صفات كمال ، حميد الأفعال لأن أفعاله إحسان ، وجود ، وبر ، وحكمة ، وعدل ، وقسط . مجيد ، والمجد : هو عظمة الصفات وسعتها ، فله صفات الكمال ، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأعمها . { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ } الذي أصابه من خيفة أضيافه { وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ } بالولد التفت حينئذ إلى مجادلة الرسل في إهلاك قوم لوط ، وقال لهم : { إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } [ العنكبوت : 32 ] . { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ } أي : ذو خلق حسن وسعة صدر وعدم غضب عند جهل الجاهلين . { أَوَّاهٌ } أي : متضرع إلى الله في جميع الأوقات ، { مُّنِيبٌ } أي : رجَّاع إلى الله بمعرفته ومحبته ، والإقبال عليه ، والإعراض عمن سواه ، فلذلك كان يجادل عمن حتَّم الله بهلاكهم . فقيل له : { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ } الجدال { إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ } بهلاكهم { وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } فلا فائدة في جدالك . { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا } أي : الملائكة الذين صدروا من إبراهيم لما أتوا { لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ } أي : شق عليه مجيئهم ، { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } أي : شديد حرج ، لأنه علم أن قومه لا يتركونهم ، لأنهم في صور شباب جرد مرد ، في غاية الكمال والجمال ، ولهذا وقع ما خطر بباله . فـ { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي : يسرعون ويبادرون ، يريدون أضيافه بالفاحشة ، التي كانوا يعملونها ، ولهذا قال : { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } أي : الفاحشة التي ما سبقهم عليها أحد من العالمين . { قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } من أضيافي [ وهذا كما عرض لسليمان صلى الله عليه وسلم على المرأتين أن يشق الولد المختصم فيه ، لاستخراج الحق ولعلمه أن بناته ممتنع منالهن ، ولا حق لهم فيهن . والمقصود الأعظم ، دفع هذه الفاحشة الكبرى ] { فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } أي : إما أن تراعوا تقوى الله ، وإما أن تراعوني في ضيفي ، ولا تخزون عندهم . { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } فينهاكم ويزجركم ، وهذا دليل على مروجهم وانحلالهم من الخير والمروءة . فـ { قَالُواْ } له : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } أي : لا نريد إلا الرجال ، ولا لنا رغبة في النساء . فاشتد قلق لوط عليه الصلاة والسلام ، و { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } كقبيلة مانعة لمنعتكم . وهذا بحسب الأسباب المحسوسة ، وإلا فإنه يأوي إلى أقوى الأركان وهو الله ، الذي لا يقوم لقوته أحد ، ولهذا لما بلغ الأمر منتهاه واشتد الكرب . { قَالُواْ } له : { إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ } أي : أخبروه بحالهم ليطمئن قلبه ، { لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } بسوء . ثم قال جبريل بجناحه ، فطمس أعينهم ، فانطلقوا يتوعدون لوطاً بمجيء الصبح ، وأمر الملائكة لوطاً أن يسري بأهله { بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } أي : بجانب منه قبل الفجر بكثير ، ليتمكنوا من البعد عن قريتهم . { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } أي : بادروا بالخروج ، وليكن همكم النجاة ولا تلتفتوا إلى ما وراءكم . { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا } من العذاب { مَآ أَصَابَهُمْ } لأنها تشارك قومها في الإثم ، فتدلهم على أضياف لوط ، إذا نزل به أضياف . { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } فكأن لوطاً استعجل ذلك ، فقيل له : { أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } بنزول العذاب وإحلاله فيهم { جَعَلْنَا } ديارهم { عَالِيَهَا سَافِلَهَا } أي : قلبناها عليهم { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } أي : من حجارة النار الشديدة الحرارة { مَّنْضُودٍ } أي : متتابعة تتبع من شذ عن القرية . { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ } أي : معلمة ، عليها علامة العذاب والغضب ، { وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } الذين يشابهون لفعل قوم لوط { بِبَعِيدٍ } فليحذر العباد ، أن يفعلوا كفعلهم لئلا يصيبهم ما أصابهم .