Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 96-108)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } إلى آخر القصة يقول تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ } بن عمران { بِآيَاتِنَا } الدالة على صدق ما جاء به ، كالعصا واليد ونحوهما من الآيات التي أجراها الله على يدي موسى عليه السلام . { وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي : حجة ظاهرة بينة ، ظهرت ظهور الشمس . { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } أي : أشراف قومه لأنهم المتبوعون وغيرهم تبع لهم ، فلم ينقادوا لما مع موسى من الآيات التي أراهم إياها كما تقدم بسطها في سورة الأعراف ، ولكنهم { فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } بل هو ضال غاو ، لا يأمر إلا بما هو ضرر محض ، لا جرم - لما اتبعه قومه - أرداهم وأهلكهم . { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ } أي : في الدنيا { لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي : يلعنهم الله وملائكته والناس أجمعون في الدنيا والآخرة . { بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } أي : بئس ما اجتمع لهم ، وترادف عليهم من عذاب الله ، ولعنة الدنيا والآخرة . ولما ذكر قصص هؤلاء الأمم مع رسلهم ، قال الله تعالى لرسوله : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ } لتنذر به ، ويكون آية على رسالتك ، وموعظة وذكرى للمؤمنين . { مِنْهَا قَآئِمٌ } لم يتلف ، بل بقي من آثار ديارهم ما يدل عليهم ، { وَ } منها { حَصِيدٌ } قد تهدمت مساكنهم ، واضمحلت منازلهم ، فلم يبق لها أثر ، { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } بأخذهم بأنواع العقوبات { وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } بالشرك والكفر والعناد . { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ } وهكذا كل من التجأ إلى غير الله ، لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد . { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } أي : خسار ودمار ، بالضد مما خطر ببالهم . { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } ، أي : يقصمهم بالعذاب ويبيدهم ، ولا ينفعهم ما كانوا يدعون من دون الله من شيء . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } المذكور من أخذه للظالمين ، بأنواع العقوبات ، { لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ } أي : لعبرة ودليلاً على أن أهل الظلم والإجرام لهم العقوبة الدنيوية ، والعقوبة الأخروية ، ثم انتقل من هذا إلى وصف الآخرة ، فقال : { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ } أي : جمعوا لأجل ذلك اليوم للمجازاة ، وليظهر لهم من عظمة الله وسلطانه وعدله العظيم ما به يعرفونه حق المعرفة . { وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } أي : يشهده الله وملائكته وجميع المخلوقين ، { وَمَا نُؤَخِّرُهُ } أي : إتيان يوم القيامة { إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } إذا انقضى أجل الدنيا وما قدر الله فيها من الخلق ، فحينئذٍ ينقلهم إلى الدار الأخرى ، ويجري عليهم أحكامه الجزائية ، كما أجرى عليهم في الدنيا أحكامه الشرعية . { يَوْمَ يَأْتِ } ذلك اليوم ، ويجتمع الخلق { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } حتى الأنبياء والملائكة الكرام ، لا يشفعون إلا بإذنه ، { فَمِنْهُمْ } أي : الخلق { شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } فالأشقياء هم الذين كفروا بالله وكذبوا رسله وعصوا أمره ، والسعداء هم : المؤمنون المتقون . وأما جزاؤهم { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ } أي : حصلت لهم الشقاوة ، والخزي والفضيحة ، { فَفِي ٱلنَّارِ } منغمسون في عذابها ، مشتد عليهم عقابها ، { لَهُمْ فِيهَا } من شدة ما هم فيه { زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } وهو أشنع الأصوات وأقبحها . { خَالِدِينَ فِيهَا } أي : في النار التي هذا عذابها { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } أي : خالدين فيها أبداً إلا المدة التي شاء الله أن لا يكونوا فيها ، وذلك قبل دخولها ، كما قاله جمهور المفسرين ، فالاستثناء على هذا راجع إلى ما قبل دخولها ، فهم خالدون فيها جميع الأزمان ، سوى الزمن الذي قبل الدخول فيها . { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } فكل ما أراد فعله واقتضته حكمته فعله تبارك وتعالى ، لا يرده أحد عن مراده . { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ } أي : حصلت لهم السعادة ، والفلاح والفوز { فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } ثم أكد ذلك بقوله : { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } أي : ما أعطاهم الله من النعيم المقيم واللذة العالية ، فإنه دائم مستمر ، غير منقطع بوقت من الأوقات ، نسأل الله الكريم من فضله .