Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 101-102)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يذكر تعالى أن المكذبين بهذا القرآن ، يتتبعون ما يرونه حجة لهم ، وهو أن الله تعالى هو الحاكم الحكيم ، الذي يشرع الأحكام ، ويبدل حكماً مكان آخر ، لحكمته ورحمته ، فإذا رأوه كذلك ، قدحوا في الرسول وبما جاء به ، و { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ } قال الله تعالى : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } فهم جهال لا علم لهم بربهم ، ولا بشرعه ، ومن المعلوم أن قدح الجاهل بلا علم لا عبرة به ، فإن القدح في الشيء فرع عن العلم به ، وما يشتمل عليه مما يوجب المدح أو القدح . ولهذا ذكر تعالى حكمته في ذلك فقال : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ } وهو جبريل الرسول المقدس المنزه عن كل عيب وخيانة وآفة . { بِٱلْحَقِّ } أي : نزوله بالحق ، وهو مشتمل على الحق في أخباره ، وأوامره ونواهيه ، فلا سبيل لأحد أن يقدح فيه قدحاً صحيحاً ، لأنه إذا علم أنه الحق ، علم أن ما عارضه وناقضه باطل . { لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } عند نزول آياته وتواردها عليهم ، وقتاً بعد وقت ، فلا يزال الحق يصل إلى قلوبهم شيئاً فشيئاً ، حتى يكون إيمانهم أثبت من الجبال الرواسي ، وأيضاً فإنهم يعلمون أنه الحق ، وإذا شرع حكماً [ من الأحكام ] ثم نسخه ، علموا أنه أبدله بما هو مثله ، أو خير منه لهم ، وأن نسخه هو المناسب للحكمة الربانية ، والمناسبة العقلية . { وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } أي : يهديهم إلى حقائق الأشياء ، ويبين لهم الحق من الباطل ، والهدى من الضلال ، ويبشرهم أن لهم أجراً حسناً ، ماكثين فيه أبداً . وأيضاً فإنه كلما نزل شيئاً فشيئاً ، كان أعظم هداية وبشارة لهم مما لو أتاهم جملة واحدة ، وتفرق الفكر فيه ، بل ينزل الله حكماً وبشارةً ، [ أكثر ] فإذا فهموه وعقلوه وعرفوا المراد منه ، وترووا منه ، أنزل نظيره وهكذا . ولذلك بلغ الصحابة رضي الله عنهم به مبلغاً عظيماً ، وتغيرت أخلاقهم وطبائعهم ، وانتقلوا إلى أخلاق وعوائد وأعمال ، فاقوا بها الأولين والآخرين . وكان أعلى وأولى لمن بعدهم ، أن يتربوا بعلومه ، ويتخلقوا بأخلاقه ، ويستضيئوا بنوره في ظلمات الغي والجهالات ، ويجعلوه إمامهم في جميع الحالات ، فبذلك تستقيم أمورهم الدينية والدنيويةُ .