Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 22-26)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : لما حملت بعيسى عليه السلام ، خافت من الفضيحة ، فتباعدت عن الناس { مَكَاناً قَصِيّاً } فلما قرب ولادها ، ألجأها المخاض إلى جذع نخلة ، فلما آلمها وجع الولادة ، ووجع الانفراد عن الطعام والشراب ، ووجع قلبها من قالة الناس ، وخافت عدم صبرها ، تمنت أنها ماتت قبل هذا الحادث ، وكانت نسياً منسياً فلا تذكر . وهذا التمني بناء على ذلك المزعج ، وليس في هذه الأمنية خير لها ولا مصلحة ، وإنما الخير والمصلحة بتقدير ما حصل ، فحينئذ سكَّن الملك روعها وثبَّت جأشها وناداها من تحتها ، لعله في مكان أنزل من مكانها ، وقال لها : لا تحزني ، أي : لا تجزعي ولا تهتمي ، فـ { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } أي : نهراً تشربين منه ، { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } أي : طرياً لذيذاً نافعاً { فَكُلِي } من التمر ، { وَٱشْرَبِي } من النهر { وَقَرِّي عَيْناً } بعيسى ، فهذا طمأنينتها من جهة السلامة من ألم الولادة ، وحصول المأكل والمشرب والهني . وأما من جهة قالة الناس ، فأمرها أنها إذا رأت أحداً من البشر ، أن تقول على وجه الإشارة : { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } أي : سكوتاً { فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } أي : لا تخاطبيهم بكلام لتستريحي من قولهم وكلامهم . وكان معروفاً عندهم أن السكوت من العبادات المشروعة ، وإنما لم تؤمر بخطابهم في نفي ذلك عن نفسها لأن الناس لا يصدقونها ، ولا فيه فائدة ، وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد ، أعظم شاهد على براءتها ، فإن إتيان المرأة بولد من دون زوج ، ودعواها أنه من غير أحد ، من أكبر الدعاوى ، التي لو أقيم عدة من الشهود ، لم تصدق بذلك ، فجعلت بينة هذا الخارق للعادة ، أمراً من جنسه ، وهو كلام عيسى في حال صغره جداً ، ولهذا قال تعالى : { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ … } .