Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 27-33)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : فلما تعلت مريم من نفاسها ، أتت بعيسى قومها تحمله ، وذلك لعلمها ببراءة نفسها وطهارتها ، فأتت غير مبالية ولا مكترثة ، فقالوا : { لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } أي : عظيماً وخيماً ، وأرادوا بذلك البغاء ، حاشاها من ذلك ، { يٰأُخْتَ هَارُونَ } الظاهر ، أنه أخ لها حقيقي ، فنسبوها إليه ، وكانوا يسمّون بأسماء الأنبياء ، وليس هو هارون بن عمران أخا موسى ، لأن بينهما قروناً كثيرة ، { مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } أي : لم يكن أبواك إلا صالحين سالمين من الشر ، وخصوصاً هذا الشر ، الذي يشيرون إليه ، وقصدهم : فكيف كنت على غير وصفهما ؟ وأتيت بما لم يأتيا به ؟ . وذلك أن الذرية - في الغالب - بعضها من بعض ، في الصلاح وضده ، فتعجبوا - بحسب ما قام بقلوبهم - كيف وقع منها ، فأشارت لهم إليه ، أي : كلموه ، وإنما أشارت لذلك ، لأنها أمرت عند مخاطبة الناس لها ، أن ، تقول : { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } فلما أشارت إليهم بتكليمه ، تعجبوا من ذلك وقالوا : { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } لأن ذلك لم تجر به عادة ، ولا حصل من أحد في ذلك السن ، فحينئذ قال عيسى عليه السلام ، وهو في المهد صبي : { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } فخاطبهم بوصفه بالعبودية ، وأنه ليس فيه صفة يستحق بها أن يكون إلهاً ، أو ابناً للإله ، تعالى الله عن قول النصارى المخالفين لعيسى في قوله { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ } ومدعون موافقته . { آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ } أي : قضى أن يؤتيني الكتب { وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } فأخبرهم بأنه عبد الله ، وأن الله علمه الكتاب ، وجعله من جملة أنبيائه ، فهذا من كماله لنفسه ، ثم ذكر تكميله لغيره فقال : { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ } أي : في أي مكان ، وأي : زمان ، فالبركة جعلها الله فيَّ من تعليم الخير والدعوة إليه ، والنهي عن الشر ، والدَّعوة إلى الله في أقواله وأفعاله ، فكل من جالسه ، أو اجتمع به ، نالته بركته ، وسعد به مصاحبه . { وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } أي : أوصاني بالقيام بحقوقه ، التي من أعظمها الصلاة ، وحقوق عباده ، التي أجلها الزكاة ، مدة حياتي ، أي : فأنا ممتثل لوصية ربي ، عامل عليها ، منفذ لها ، ووصاني أيضاً ، أن أبر والدتي فأحسن إليها غاية الإحسان ، وأقوم بما ينبغي له ، لشرفها وفضلها ، ولكونها والدة لها حق الولادة وتوابعها . { وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً } أي : متكبراً على الله ، مترفعاً على عباده { شَقِيّاً } في دنياي أو أخراي ، فلم يجعلني كذلك بل جعلني مطيعاً له خاضعاً خاشعاً متذللاً ، متواضعاً لعباد الله ، سعيداً في الدنيا والآخرة ، أنا ومن اتبعني . فلما تم له الكمال ، ومحامد الخصال قال : { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } أي : من فضل ربي وكرمه ، حصلت لي السلامة يوم ولادتي ، ويوم موتي ، ويوم بعثي ، من الشر والشيطان والعقوبة ، وذلك يقتضي سلامته من الأهوال ، ودار الفجار ، وأنه من أهل دار السلام ، فهذه معجزة عظيمة ، وبرهان باهر ، على أنه رسول الله ، وعبد الله حقاً .