Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-34)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر ، أن الله حين أراد خلقه أخبر الملائكة بذلك ، وأن الله مستخلفه في الأرض ، فقالت الملائكة عليهم السلام : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } بالمعاصي { وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } [ و ] هذا تخصيص بعد تعميم ، لبيان [ شدة ] مفسدة القتل ، وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في الأرض سيحدث منه ذلك ، فنزهوا الباري عن ذلك ، وعظموه ، وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة ، فقالوا : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } أي : ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك ، { وَنُقَدِّسُ لَكَ } يحتمل أن معناها : ونقدسك ، فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص ، ويحتمل أن يكون : ونقدس لك أنفسنا ، أي : نطهرها بالأخلاق الجميلة ، كمحبة الله وخشيته وتعظيمه ، ونطهرها من الأخلاق الرذيلة . قال الله تعالى للملائكة : { إِنِّيۤ أَعْلَمُ } من هذا الخليفة { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } لأن كلامكم بحسب ما ظننتم ، وأنا عالم بالظواهر والسرائر ، وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر ، فلو لم يكن في ذلك إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصدِّيقين والشهداء والصالحين ، ولتظهر آياته للخلق ، ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة كالجهاد وغيره ، وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان ، وليتبين عدوه من وليه ، وحزبه من حربه ، وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه واتصف به ، فهذه حكم عظيمة يكفي بعضها في ذلك . ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام ، فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض ، أراد الله تعالى أن يبين لهم من فضل آدم ما يعرفون به فضله ، وكمال حكمة الله وعلمه فـ { عَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } أي : أسماء الأشياء ، وما هو مسمى بها ، فعلَّمه الاسم والمسمَّى ، أي : الألفاظ والمعاني ، حتى المكبر من الأسماء كالقصعة ، والمصغر كالقصيعة . { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } أي : عرض المسميات { عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ } امتحاناً لهم ، هل يعرفونها أم لا ؟ { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } في قولكم وظنكم ، أنكم أفضل من هذا الخليفة . { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ } أي : نُنَزِّهُك من الاعتراض منا عليك ومخالفة أمرك ، { لاَ عِلْمَ لَنَآ } بوجه من الوجوه ، { إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } إياه ، فضلاً منك وجوداً ، { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } العليم الذي أحاط علماً بكل شيء ، فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر . الحكيم : من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق ، ولا يشذ عنها مأمور ، فما خلق شيئاً إلا لحكمة : ولا أمر بشيء إلا لحكمة ، والحكمة : وضع الشيء في موضعه اللائق به ، فأقروا واعترفوا بعلم الله وحكمته ، وقصورهم عن معرفة أدنى شيء ، واعترافهم بفضل الله عليهم ، وتعليمه إياهم ما لا يعلمون . فحينئذ قال الله : { يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ } أي : أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة فعجزوا عنها . { فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ } تبين للملائكة فضل آدم عليهم ، وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة ، { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } وهو ما غاب عنا فلم نشاهده ، فإذا كان عالماً بالغيب ، فالشهادة من باب أولى ، { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } أي : تظهرون { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } . ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم ، إكراماً له وتعظيماً ، وعبودية لله تعالى ، فامتثلوا أمر الله وبادروا كلهم بالسجود ، { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } امتنع عن السجود ، واستكبر عن أمر الله وعلى آدم ، قال : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : 61 ] وهذا الإباء منه والاستكبار نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه ، فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم ، وكفره واستكباره . وفي هذه الآيات من العبر والآيات إثبات الكلام لله تعالى ، وأنه لم يزل متكلماً يقول ما شاء ، ويتكلم بما شاء ، وأنه عليم حكيم ، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالواجب عليه التسليم ، واتهام عقله ، والإقرار لله بالحكمة ، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة ، وإحسانه بهم ، بتعليمهم ما جهلوا ، وتنبيههم على ما لم يعلموه . وفيه فضيلة العلم من وجوه : منها : أن الله تعرف لملائكته بعلمه وحكمته ، ومنها : أن الله عرّفهم فضل آدم بالعلم ، وأنه أفضل صفة تكون في العبد ، ومنها : أن الله أمرهم بالسجود لآدم إكراماً له لما بان فضل علمه ، ومنها : أن الامتحان للغير ، إذا عجزوا عما امتحنوا به ، ثم عرفه صاحب الفضيلة ، فهو أكمل مما عرفه ابتداء ، ومنها : الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن ، وبيان فضل آدم ، وأفضال الله عليه ، وعداوة إبليس له ، إلى غير ذلك من العبر .