Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 54-58)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } إلى آخر القصة . أي : واذكر عبدنا ورسولنا لوطاً ، ونبأه الفاضل ، حين قال لقومه - داعياً إلى الله وناصحاً - : { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } أي : الفعلة الشنعاء ، التي تستفحشها العقول والفطر ، وتستقبحها الشرائع { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } ذلك ، وتعلمون قبحه ، فعاندتم ، وارتكبتم ذلك ، ظلماً منكم وجرأة على الله . ثم فسر تلك الفاحشة ، فقال : { أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ } أي : كيف توصلتم إلى هذه الحال ، صارت شهوتكم للرجال ، وأدبارهم محل الغائط والنَّجوْ والخبث ، وتركتم ما خلق الله لكم من النساء ، من المحال الطيبة ، التي جبلت النفوس إلى الميل إليها وأنتم انقلب عليكم الأمر ، فاستحسنتم القبيح ، واستقبحتم الحسن ، { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } متجاوزون لحدود الله ، متجرؤون على محارمه . { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } قبول ولا انزجار ، ولا تذكر وادكار ، إنما كان جوابهم المعارضة والمناقضة ، والتوعد لنبيهم الناصح ورسولهم الأمين ، بالإجلاء عن وطنه ، والتشريد عن بلده . فما كان جواب قومه { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ } . فكأنه قيل : ما نقمتم منهم ، وما ذنبهم الذي أوجب لهم الإخراج ، فقالوا : { إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } أي : يتنزهون عن اللواط وأدبار الذكور . فقبحهم الله جعلوا أفضل الحسنات بمنزلة أقبح السيئات ، ولم يكتفوا بمعصيتهم لنبيهم فيما وعظهم به ، حتى وصلوا إلى إخراجه ، والبلاء موكلٌ بالمنطق ، فهم قالوا : { أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [ الأعراف : 82 ] . ومفهوم هذا الكلام : " وأنتم متلوثون بالخبث والقذارة ، المقتضي لنزول العقوبة بقريتكم ، ونجاة من خرج منها " . ولهذا قال تعالى : { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } وذلك لما جاءته الملائكة في صورة أضياف ، وسمع بهم قومه ، فجاؤوا إليه يريدونهم بالشر ، وأغلق الباب دونهم ، واشتد الأمر عليه ، ثم أخبرته الملائكة عن جلية الحال ، وأنهم جاؤوا لاستنقاذه وإخراجه من بين أظهرهم ، وأنهم يريدون إهلاكهم ، وأن موعدهم الصبح ، وأمروه أن يسري بأهله ليلاً ، إلا امرأته فإنه سيصيبها ما أصابهم ، فخرج بأهله ليلاً ، فنجوا وصبَّحهم العذاب ، فقلب الله عليهم ديارهم ، وجعل أعلاها أسفلها ، وأمطر عليهم حجارة من سجيلٍ منضود ، مسومة عند ربك . ولهذا قال هنا : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } أي : بئس المطر مطرهم ، وبئس العذاب عذابهم ، لأنهم أنذروا وخوفوا ، فلم ينزجروا ولم يرتدعوا ، فأحل الله بهم عقابه الشديد .