Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 12-14)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر فضله على داود عليه السلام ، ذكر فضله على ابنه سليمان عليه الصلاة والسلام ، وأن اللّه سخر له الريح تجري بأمره وتحمله ، وتحمل جميع ما معه ، وتقطع المسافة البعيدة جداً في مدة يسيرة ، فتسير في اليوم ، مسيرة شهرين . { غُدُوُّهَا شَهْرٌ } أي : أول النهار إلى الزوال { وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } من الزوال ، إلى آخر النهار { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ } أي : سخرنا له عين النحاس ، وسهلنا له الأسباب في استخراج ما يستخرج منها من الأواني وغيرها . وسخر اللّه له أيضاً الشياطين والجن ، لا يقدرون أن يستعصوا عن أمره ، { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } وأعمالهم ، كل ما شاء سليمان ، عملوه ، { مِن مَّحَارِيبَ } وهو كل بناء يعقد وتحكم به الأبنية ، فهذا فيه ذكر الأبنية الفخمة ، { وَتَمَاثِيلَ } أي : صور الحيوانات والجمادات ، من إتقان صنعتهم ، وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان ، { وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ } أي : كالبرك الكبار ، يعملونها لسليمان للطعام ، لأنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه غيره ، { و } يعملون له قدوراً راسيات لا تزول عن أماكنها ، من عظمها . فلما ذكر منته عليهم ، أمرهم بشكرها ، فقال : { ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ } وهم داود وأولاده ، وأهله ، لأن المِنَّة على الجميع ، وكثير من هذه المصالح عائد لكلهم . { شُكْراً } للّه على ما أعطاهم ، ومقابلة لما أولاهم . { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } فأكثرهم لم يشكروا اللّه تعالى على ما أولاهم من نعمه ، ودفع عنهم من النقم . والشكر : اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى ، وتلقيها افتقاراً إليها ، وصرفها في طاعة اللّه تعالى ، وصونها عن صرفها في المعصية . فلم يزل الشياطين يعملون لسليمان عليه الصلاة والسلام كل بناء ، وكانوا قد موهوا على الإنس ، وأخبروهم أنهم يعلمون الغيب ويطلعون على المكنونات ، فأراد اللّه تعالى أن يُرِيَ العباد كذبهم في هذه الدعوى ، فمكثوا يعملون على عملهم ، وقضى اللّه الموت على سليمان عليه السلام ، واتَّكأ على عصاه وهي المنسأة ، فصاروا إذا مروا به وهو متكئ عليها ، ظنوه حياً ، وهابوه . فغدوا على عملهم كذلك سنة كاملة على ما قيل ، حتى سلطت دابة الأرض على عصاه ، فلم تزل ترعاها ، حتى باد وسقط ، فسقط سليمان عليه السلام وتفرقت الشياطين وتبينت الإنس أن الجن { لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } وهو العمل الشاق عليهم ، فلو علموا الغيب ، لعلموا موت سليمان ، الذي هم أحرص شيء عليه ، ليسلموا مما هم فيه .