Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 51-57)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا من قبائح اليهود وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، أن أخلاقهم الرذيلة ، وطبعهم الخبيث ، حملهم على ترك الإيمان بالله ورسوله ، والتعوض عنه بالإيمان بالجبت والطاغوت ، وهو الإيمان بكل عبادة لغير الله ، أو حكم بغير شرع الله . فدخل في ذلك السحر والكهانة ، وعبادة غير الله ، وطاعة الشيطان ، كل هذا من الجبت والطاغوت ، وكذلك حملهم الكفر والحسد على أن فضلوا طريقة الكافرين بالله - عبدة الأصنام - على طريق المؤمنين ، فقال : { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : لأجلهم ، تملقاً لهم ومداهنة ، وبغضاً للإيمان : { هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } أي : طريقاً . فما أسمجهم وأشد عنادهم ، وأقل عقولهم ! ! كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم ، والوادي الذميم ؟ ! ! هل ظنوا أن هذا يروج على أحد من العقلاء ، أو يدخل عقلَ أحدٍ من الجهلاء ، فهل يفضل دين قام على عبادة الأصنام والأوثان ، واستقام على تحريم الطيبات ، وإباحة الخبائث ، وإحلال كثير من المحرمات ، وإقامة الظلم بين الخلق ، وتسوية الخالق بالمخلوقين ، والكفر بالله ورسله وكتبه ، على دين قام على عبادة الرحمن ، والإخلاص لله في السر والإعلان ، والكفر بما يعبد من دونه من الأوثان والأنداد والكاذبين ، وعلى صلة الأرحام والإحسان إلى جميع الخلق ، حتى البهائم ، وإقامة العدل والقسط بين الناس ، وتحريم كل خبيث وظلم ، والصدق في جميع الأقوال والأعمال فهل هذا إلا من الهذيان ، وصاحب هذا القول إما من أجهل الناس وأضعفهم عقلاً ، وإما من أعظمهم عناداً وتمرداً ومراغمة للحق ، وهذا هو الواقع ، ولهذا قال تعالى عنهم : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي : طردهم عن رحمته وأحل عليهم نقمته . { وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } أي : يتولاه ويقوم بمصالحه ويحفظه عن المكاره ، وهذا غاية الخذلان . { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ } أي : فيفضلون مَنْ شاؤوا على مَنْ شاؤوا بمجرد أهوائهم ، فيكونون شركاء لله في تدبير المملكة ، فلو كانوا كذلك لشحوا وبخلوا أشد البخل ، ولهذا قال : { فَإِذاً } أي : لو كان لهم نصيب من الملك { لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } أي : شيئاً ، ولا قليلاً . وهذا وصف لهم بشدة البخل ، على تقدير وجود ملكهم المشارك لملك الله . وأخرج هذا مخرج الاستفهام المتقرر إنكاره ، عند كل أحد . { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي : هل الحامل لهم على قولهم كونهم شركاء لله ، فيفضلون مَنْ شاؤوا ؟ أم الحامل لهم على ذلك الحسد للرسول وللمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله ؟ وذلك ليس ببدع ولا غريب على فضل الله . { فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } وذلك ما أنعم الله به على إبراهيم وذريته ، من النبوة والكتاب والملك الذي أعطاه من أعطاه من أنبيائه كـ " داود " و " سليمان " . فإنعامه لم يزل مستمراً على عباده المؤمنين . فكيف ينكرون إنعامه بالنبوة والنصر والملك لمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأجلهم ، وأعظمهم معرفة بالله وأخشاهم له ؟ ! ! { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ } أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فنال بذلك السعادة الدنيوية والفلاح الأخروي . { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } عناداً وبغياً وحسداً ، فحصل لهم من شقاء الدنيا ومصائبها ، ما هو بعض آثار معاصيهم { وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } تسعر على مَنْ كفر بالله ، وجحد نبوة أنبيائه من اليهود والنصارى ، وغيرهم من أصناف الكفرة . ولهذا قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } أي : عظيمة الوقود ، شديدة الحرارة ، { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } أي : احترقت { بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } أي : ليبلغ العذاب منهم كل مبلغ . وكما تكرر منهم الكفر والعناد وصار وصفاً لهم وسجية كرر عليهم العذاب جزاءً وِفاقاً ، ولهذا قال : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } أي : له العزة العظيمة ، والحكمة في خلقه وأمره ، وثوابه وعقابه . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : بالله ، وما أوجب الإيمانَ به { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } من الواجبات والمستحبات { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } أي : من الأخلاق الرذيلة ، والخلق الذميم ، ومما يكون من نساء الدنيا من كل دنس وعيب { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } .