Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 58-59)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الأمانات كل ما اؤتمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به . فأمر الله عباده بأدائها أي : كاملة موفرة ، لا منقوصة ولا مبخوسة ، ولا ممطولاً بها ، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله . وقد ذكر الفقهاء ، على أن مَنْ اؤتمن أمانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها . قالوا : لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها فوجب ذلك . وفي قوله : { إِلَىۤ أَهْلِهَا } دلالة على أنها لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمِن ، ووكيله بمنزلته فلو دفعها لغير ربها لم يكن مؤدياً لها . { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء ، والأموال ، والأعراض ، القليل من ذلك والكثير ، على القريب والبعيد ، والبر والفاجر ، والولي والعدو . والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به ، هو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود والأحكام ، وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به . ولما كانت هذه أوامر حسنة عادلة ، قال : { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } وهذا مدح من الله لأوامره ونواهيه ، لاشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضارهما ، لأن شارعها السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية ، ويعلم بمصالح العباد ما لا يعلمون . ثم أمر بطاعته وطاعة رسوله ، وذلك بامتثال أمرهما ، الواجب والمستحب ، واجتناب نهيهما . وأمر بطاعة أولي الأمر وهم : الولاة على الناس ، من الأمراء والحكام والمفتين ، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم ، طاعة لله ، ورغبة فيما عنده ، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله ، فإن أمروا بذلك ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم ، وذكره مع طاعة الرسول فإن الرسول ، لا يأمر إلا بطاعة الله ، ومن يطعه فقد أطاع الله ، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية . ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه ، إلى الله وإلى رسوله ، أي : إلى كتاب الله وسُنّة رسوله فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية ، إما بصريحهما ، أو عمومهما أو إيماء ، أو تنبيه ، أو مفهوم أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه ، لأن كتاب الله وسُنَة رسوله عليهما بناء الدين ، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما . فالرد إليهما شرط في الإيمان ، فلهذا قال : { إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } فدل ذلك على أن مَنْ لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة ، بل مؤمن بالطاغوت ، كما ذكر في الآية بعدها { ذٰلِكَ } أي : الرد إلى الله ورسوله { خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } فإن حكم الله ورسوله ، أحسن الأحكام وأعدلها ، وأصلحها للناس ، في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم .