Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 9-10)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا متضمن لنهي المؤمنين [ عن ] أن يبغي بعضهم على بعض ، ويقاتل بعضهم بعضاً ، وأنه إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين ، فإن على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير ، بالإصلاح بينهم ، والتوسط بذلك على أكمل وجه يقع به الصلح ، ويسلكوا الطريق الموصلة إلى ذلك ، فإن صلحتا فبها ونعمت ، وإن { بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي : ترجع إلى ما حد الله ورسوله ، من فعل الخير وترك الشر ، الذي من أعظمه الاقتتال ، [ وقوله ] { فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ } هذا أمر بالصلح ، وبالعدل في الصلح ، فإن الصلح قد يوجد ، ولكن لا يكون بالعدل ، بل بالظلم والحيف على أحد الخصمين ، فهذا ليس هو الصلح المأمور به ، فيجب أن لا يراعى أحدهما لقرابة ، أو وطن ، أو غير ذلك من المقاصد والأغراض ، التي توجب العدول عن العدل ، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } أي : العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات التي تولوها ، حتى إنه قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله وعياله في أدائه حقوقهم ، وفي الحديث الصحيح : " المقسطون عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " . { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } هذا عقد عقده الله بين المؤمنين ، أنه إذا وجد من أي شخص كان في مشرق الأرض ومغربها ، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، فإنه أخ للمؤمنين ، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون ما يحبون لأنفسهم ، ويكرهون له ما يكرهون لأنفسهم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم آمراً بحقوق الأخوة الإيمانية : " لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا يبعْ أحدكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المؤمن أخو المؤمن ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره " . وقال صلى الله عليه وسلم : " " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه " . ولقد أمر الله ورسوله بالقيام بحقوق المؤمنين بعضهم لبعض ، وبما به يحصل التآلف والتوادد والتواصل بينهم ، كل هذا تأييد لحقوق بعضهم على بعض ، فمن ذلك ، إذا وقع الاقتتال بينهم ، الموجب لتفرق القلوب وتباغضها [ وتدابرها ] ، فليصلح المؤمنون بين إخوانهم ، وليسعوا فيما به يزول شنآنهم . ثم أمر بالتقوى عموماً ، ورتب على القيام بحقوق المؤمنين وبتقوى الله ، الرحمة [ فقال : { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ] ، وإذا حصلت الرحمة حصل خير الدنيا والآخرة ، ودلّ ذلك على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين ، من أعظم حواجب الرحمة . وفي هاتين الآيتين من الفوائد ، غير ما تقدم : أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية ، ولهذا كان من أكبر الكبائر ، وأن الإيمان والأخوة الإيمانية لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار التي دون الشرك ، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة ، وعلى وجوب الإصلاح بين المؤمنين بالعدل ، وعلى وجوب قتال البغاة حتى يرجعوا إلى أمر الله ، وعلى أنهم لو رجعوا لغير أمر الله ، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه والتزامه ، أنه لا يجوز ذلك ، وأن أموالهم معصومة ، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة ، دون أموالهم .