Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 24-37)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { هَلْ أَتَاكَ } أي : أما جاءك { حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } ونبأهم الغريب العجيب ، وهم : الملائكة الذين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط ، وأمرهم بالمرور على إبراهيم ، فجاؤوه في صورة أضياف . { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ } مجيباً لهم { سَلاَمٌ } أي : عليكم { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } أي : أنتم قوم منكرون ، فأحب أن تعرفوني بأنفسكم ، ولم يعرفهم إلا بعد ذلك . ولهذا راغ إلى أهله أي : ذهب سريعاً في خفية ، ليحضر لهم قراهم ، { فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ } وعرض عليهم الأكل ، فـ { قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } حين رأى أيديهم لا تصل إليه ، { قَالُواْ لاَ تَخَفْ } وأخبروه بما جاؤوا له { وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ } وهو : إسحاق عليه السلام . فلما سمعت المرأة البشارة { أَقْبَلَتِ } فرحة مستبشرة { فِي صَرَّةٍ } أي : صيحة { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } وهذا من جنس ما يجري من النساء عند السرور [ ونحوه ] من الأقوال والأفعال المخالفة للطبيعة والعادة ، { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } أي : أنَّى لي الولد ، وأنا عجوز ، قد بلغت من السن ، ما لا تلد معه النساء ، ومع ذلك ، فأنا عقيم ، غير صالح رحمي للولادة أصلاً ، فَثَمَّ مانعان ، كل منهما مانع من الولد ، وقد ذكرت المانع الثالث في سورة هود بقولها : { وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } [ هود : 72 ] . { قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ } أي : الله الذي قدر ذلك وأمضاه ، فلا عجب في قدرة الله تعالى { إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } أي : الذي يضع الأشياء مواضعها ، وقد وسع كل شيء علماً فسلموا لحكمه ، واشكروه على نعمته . قال لهم إبراهيم عليه السلام : { فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } الآيات ، أي : ما شأنكم وما تريدون ؟ لأنه استشعر أنهم رسل ، أرسلهم الله لبعض الشئون المهمة . { قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } وهم قوم لوط ، قد أجرموا ، أشركوا بالله ، وكذبوا رسولهم ، وأتوا الفاحشة الشنعاء التي ما سبقهم إليها أحد من العالمين . { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } أي : معلمة ، على كل حجر منها سمة صاحبه ، لأنهم أسرفوا وتجاوزوا الحد ، فجعل إبراهيم يجادلهم في قوم لوط ، لعل الله يدفع عنهم العذاب ، فقال الله : { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } [ هود : 76 ] . { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } وهم بيت لوط عليه السلام ، إلا امرأته ، فإنها من المهلكين . { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } يعتبرون بها ويعلمون أن الله شديد العقاب ، وأن رسله صادقون مصدقون . فصل في ذكر بعض ما تضمنته هذه القصة من الحكم والأحكام منها : أن من الحكمة ، قص الله على عباده نبأ الأخيار والفجار ، ليعتبروا بحالهم ، وأين وصلت بهم الأحوال . ومنها : فضل إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، حيث ابتدأ الله قصته ، بما يدل على الاهتمام بشأنها ، والاعتناء بها . ومنها : مشروعية الضيافة ، وأنها من سنن إبراهيم الخليل ، الذي أمر الله هذا النبي وأمته ، أن يتبعوا ملته ، وساقها الله في هذا الموضع ، على وجه المدح له والثناء . ومنها : أن الضيف يكرم بأنواع الإكرام ، بالقول والفعل ، لأن الله وصف أضياف إبراهيم بأنهم مكرمون أي : أكرمهم إبراهيم ، ووصف الله ما صنع بهم من الضيافة ، قولاً وفعلاً ، ومكرمون أيضاً عند الله تعالى . ومنها : أن إبراهيم عليه السلام ، قد كان بيته مأوى للطارقين والأضياف ، لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان ، وإنما سلكوا طريق الأدب في الابتداء السلام ، فرد عليهم إبراهيم سلاماً أكمل من سلامهم وأتم ، لأنه أتى به جملة اسمية دالةً على الثبوت والاستمرار . ومنها : مشروعية تعرف من جاء إلى الإنسان ، أو صار له فيه نوع اتصال ، لأن في ذلك ، فوائد كثيرة . ومنها : أدب إبراهيم ولطفه في الكلام ، حيث قال : { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } ولم يقل : " أنكرتكم " [ وبين اللفظين من الفرق ما لا يخفى ] . ومنها : المبادرة إلى الضيافة والإسراع بها ، لأن خير البر عاجله [ ولهذا بادر إبراهيم بإحضار قرى أضيافه ] . ومنها : أن الذبيحة الحاضرة ، التي قد أعدت لغير الضيف الحاضر ، إذا جعلت له ، ليس فيها أقل إهانة ، بل ذلك من الإكرام ، كما فعل إبراهيم عليه السلام ، وأخبر الله أن ضيفه مكرمون . ومنها : ما منّ الله به على خليله إبراهيم ، من الكرم الكثير ، وكون ذلك حاضراً عنده ، وفي بيته معداً ، لا يحتاج إلى أن يأتي به من السوق أو الجيران ، أو غير ذلك . ومنها : أن إبراهيم ، هو الذي خدم أضيافه ، وهو خليل الرحمن ، وكبير من ضيَّف الضيفان . ومنها : أنه قرَّبه إليهم في المكان الذي هم فيه ، ولم يجعله في موضع ، ويقول لهم : " تفضلوا ، أو ائتوا إليه " لأن هذا أيسر عليهم وأحسن . ومنها : حسن ملاطفة الضيف في الكلام اللين ، خصوصاً عند تقديم الطعام إليه ، فإن إبراهيم عرض عليهم عرضاً لطيفاً ، وقال : { أَلاَ تَأْكُلُونَ } ولم يقل : " كلوا " ونحوه من الألفاظ ، التي غيرها أولى منها ، بل أتى بأداة العرض ، فقال : { أَلاَ تَأْكُلُونَ } فينبغي للمقتدي به أن يستعمل من الألفاظ الحسنة ، ما هو المناسب واللائق بالحال ، كقوله لأضيافه : " ألا تأكلون " أو : " ألا تتفضلون علينا وتشرفوننا وتحسنون إلينا " ونحوه . ومنها : أن من خاف من الإنسان لسبب من الأسباب ، فإن عليه أن يزيل عنه الخوف ، ويذكر له ما يؤمن روعه ، ويسكن جأشه ، كما قالت الملائكة لإبراهيم [ لما خافهم ] : { لاَ تَخَفْ } وأخبروه بتلك البشارة السارة ، بعد الخوف منهم . ومنها : شدة فرح سارة امرأة إبراهيم ، حتى جرى منها ما جرى ، من صك وجهها ، وصرَّتها غير المعهودة . ومنها : ما أكرم الله به إبراهيم وزوجته سارة ، من البشارة بغلام عليم .