Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 75-87)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أقسم تعالى بالنجوم ومواقعها أي : مساقطها في مغاربها ، وما يحدِث الله في تلك الأوقات ، من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده ، ثم عظم هذا المقسم به ، فقال : { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } وإنما كان القسم عظيماً ، لأن في النجوم وجريانها ، وسقوطها عند مغاربها ، آيات وعبراً لا يمكن حصرها ، وأما المقسم عليه ، فهو إثبات القرآن ، وأنه حق لا ريب فيه ، ولا شك يعتريه ، وأنه كريم أي : كثير الخير ، غزير العلم ، فكل خير وعلم ، فإنما يستفاد من كتاب الله ويستنبط منه ، { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } أي : مستور عن أعين الخلق ، وهذا الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ أي : إن هذا القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ ، معظم عند الله وعند ملائكته في الملأ الأعلى . ويحتمل أن المراد بالكتاب المكنون ، هو الكتاب الذي بأيدي الملائكة الذين ينزلهم الله بوحيه وتنزيله ، وأن المراد بذلك أنه مستور عن الشياطين ، لا قدرة لهم على تغييره ، ولا الزيادة والنقص منه واستراقه ، { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } أي : لا يمس القرآن إلا الملائكة الكرام ، الذين طهرهم الله تعالى من الآفات والذنوب والعيوب ، وإذا كان لا يمسه إلا المطهرون ، وأن أهل الخبث والشياطين ، لا استطاعة لهم ، ولا يدان إلى مسه ، دلت الآية بتنبيهها ، على أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر ، كما ورد بذلك الحديث ، ولهذا قيل أن الآية خبرٌ بمعنى النهي أي : لا يمس القرآن إلا طاهرٌ . { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : إن هذا القرآن الموصوف بتلك الصفات الجليلة هو تنزيل رب العالمين ، الذي يربي عباده بنعمه الدينية والدنيوية ، ومن أجلّ تربية ربّى بها عباده ، إنزاله هذا القرآن ، الذي قد اشتمل على مصالح الدارين ، ورحم الله به العباد رحمة لا يقدرون لها شكوراً ، ومما يجب عليهم أن يقوموا به ويعلنوه ويدعوا إليه ويصدعوا به ، ولهذا قال : { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } أي : أفبهذا الكتاب العظيم والذكر الحكيم أنتم تدهنون أي : تختفون وتدلسون خوفاً من الخلق وعارهم وألسنتهم ؟ هذا لا ينبغي ولا يليق ، إنما يليق أن يداهن بالحديث الذي لا يثق صاحبه منه . وأما القرآن الكريم ، فهو الحق الذي لا يغالب به مغالب إلا غلب ، ولا يصول به صائل إلا كان العالي على غيره ، وهو الذي لا يداهن به ولا يختفى ، بل يصدع به ويعلن . وقوله : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } أي : تجعلون مقابلة منة الله عليكم بالرزق التكذيب والكفر لنعمة الله ، فتقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ، وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها ، فهلا شكرتم الله تعالى على إحسانه ، إذ أنزله الله إليكم ليزيدكم من فضله ، فإن التكذيب والكفر داع لرفع النعم وحلول النقم . { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } أي : فهلا إذا بلغت الروح الحلقوم ، وأنتم تنظرون المحتضر في هذه الحالة ، والحال أنا نحن أقرب إليه منكم ، بعلمنا وملائكتنا ، ولكن لا تبصرون ، { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } أي : فهلا إذا كنتم تزعمون ، أنكم غير مبعوثين ولا محاسبين ومجازين ، ترجعون الروح إلى بدنها { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } وأنتم تقرون أنكم عاجزون عن ردها إلى موضعها ، فحينئذ إما أن تقروا بالحق الذي جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم ، وإما أن تعاندوا وتعلم حالكم وسوء مآلكم .