Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 112-113)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى - مسلياً لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم - وكما جعلنا لك أعداء يردون دعوتك ، ويحاربونك ويحسدونك ، فهذه سنتنا ، أن نجعل لكل نبي نرسله إلى الخلق أعداء ، من شياطين الإنس والجن ، يقومون بضد ما جاءت به الرسل . { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } أي : يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل ، ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة ، ليغتر به السفهاء ، وينقاد له الأغبياء الذين لا يفهمون الحقائق ، ولا يفقهون المعاني ، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة ، والعبارات المموهة ، فيعتقدون الحق باطلاً والباطل حقاً ، ولهذا قال تعالى : { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ } أي : ولتميل إلى ذلك الكلام المزخرف { أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } لأن عدم إيمانهم باليوم الآخر وعدم عقولهم النافعة ، يحملهم على ذلك ، { وَلِيَرْضَوْهُ } بعد أن يصغوا إليه فيصغون إليه أولاً ، فإذا مالوا إليه ورأوا تلك العبارات المستحسنة رضوه ، وزين في قلوبهم ، وصار عقيدة راسخة ، وصفة لازمة ، ثم ينتج من ذلك ، أن يقترفوا من الأعمال والأقوال ما هم مقترفون ، أي : يأتون من الكذب بالقول والفعل ، ما هو من لوازم تلك العقائد القبيحة ، فهذه حال المغترين ، بشياطين الإنس والجن ، المستجيبين لدعوتهم ، وأما أهل الإيمان بالآخرة ، وأولو العقول الوافية والألباب الرزينة ، فإنهم لا يغترون بتلك العبارات ، ولا تخلبهم تلك التمويهات ، بل همتهم مصروفة إلى معرفة الحقائق ، فينظرون إلى المعاني التي يدعو إليها الدعاة ، فإن كانت حقاً قبلوها وانقادوا لها ، ولو كسيت عبارات ردية ، وألفاظاً غير وافية ، وإن كانت باطلاً ، ردوها على مَنْ قالها ، كائناً مَنْ كان ، ولو ألبست من العبارات المستحسنة ، ما هو أرق من الحرير . ومن حكمة الله تعالى في جعله للأنبياء أعداء ، وللباطل أنصاراً قائمين بالدعوة إليه ، أن يحصل لعباده الابتلاء والامتحان ، ليتميز الصادق من الكاذب ، والعاقل من الجاهل ، والبصير من الأعمى . ومن حكمته أن في ذلك بياناً للحق ، وتوضيحاً له ، فإن الحق يستنير ويتضح إذا قام الباطل يصارعه ويقاومه . فإنه - حينئذ - يتبين من أدلة الحق ، وشواهده الدالة على صدقه وحقيقته ، ومن فساد الباطل وبطلانه ، ما هو من أكبر المطالب التي يتنافس فيها المتنافسون .