Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-153)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ } لهؤلاء الذين حرَّموا ما أحل الله : { تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } تحريماً عاماً شاملاً لكل أحد ، محتوياً على سائر المحرمات ، من المآكل والمشارب والأقوال والأفعال . { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } أي : لا قليلاً ولا كثيراً . وحقيقة الشرك بالله : أن يعبد المخلوق كما يعبد الله ، أو يعظم كما يعظم الله ، أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية ، وإذا ترك العبد الشرك كله صار موحداً ، مخلصاً لله في جميع أحواله ، فهذا حق الله على عباده ، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً . ثم بدأ بآكد الحقوق بعد حقه فقال : { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } من الأقوال الكريمة الحسنة ، والأفعال الجميلة المستحسنة ، فكل قول وفعل يحصل به منفعة للوالدين أو سرور لهما ، فإن ذلك من الإحسان ، وإذا وجد الإحسان انتفى العقوق . { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ } من ذكور وإناث { مِّنْ إمْلاَقٍ } أي : بسبب الفقر وضيقكم من رزقهم ، كما كان ذلك موجوداً في الجاهلية القاسية الظالمة ، وإذا كانوا منهيين عن قتلهم في هذه الحال وهم أولادهم ، فنهيهم عن قتلهم لغير موجب ، أو قتل أولاد غيرهم من باب أولى وأحرى . { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } أي : قد تكفلنا برزق الجميع ، فلستم الذين ترزقون أولادكم ، بل ولا أنفسكم ، فليس عليكم منهم ضيق . { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ } وهي : الذنوب العظام المستفحشة ، { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } أي : لا تقربوا الظاهر منها والخفي ، أو المتعلق منها بالظاهر ، والمتعلق بالقلب والباطن . والنهي عن قربان الفواحش أبلغ من النهي عن مجرد فعلها ، فإنه يتناول النهي عن مقدماتها ووسائلها الموصلة إليها . { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ } وهي : النفس المسلمة ، من ذكر وأُنثى ، صغيرٍ وكبير ، بَر وفاجر ، والكافرة التي قد عصمت بالعهد والميثاق . { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } كالزاني المحصن ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة . { ذٰلِكُمْ } المذكور { وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } عن الله وصيته ، ثم تحفظونها ، ثم تراعونها وتقومون بها . ودلت الآية على أنه بحسب عقل العبد يكون قيامه بما أمر الله به . { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } بأكل ، أو معاوضة على وجه المحاباة لأنفسكم ، أو أخذ من غير سبب . { إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي : إلا بالحال التي تصلح بها أموالهم ، وينتفعون بها . فدل هذا على أنه لا يجوز قربانها والتصرف بها على وجه يضر اليتامى ، أو على وجه لا مضرة فيه ولا مصلحة ، { حَتَّىٰ يَبْلُغَ } اليتيم { أَشُدَّهُ } أي : حتى يبلغ ويرشد ، ويعرف التصرف ، فإذا بلغ أشده ، أُعطي حينئذ مالُه ، وتصرف فيه على نظره . وفي هذا دلالة على أن اليتيم - قبل بلوغ الأشُد - محجور عليه ، وأن وليه يتصرف في ماله بالأحظ ، وأن هذا الحجر ينتهي ببلوغ الأشُد . { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } أي : بالعدل والوفاء التام ، فإذا اجتهدتم في ذلك ، فـ { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي : بقدر ما تسعه ، ولا تضيق عنه . فمَنْ حرص على الإيفاء في الكيل والوزن ، ثم حصل منه تقصير لم يفرط فيه ولم يعلمه ، فإن الله عفو غفور . وبهذه الآية ونحوها استدل الأصوليون ، بأن الله لا يكلف أحداً ما لا يطيق ، وعلى أن من اتقى الله فيما أمر ، وفعل ما يمكنه من ذلك ، فلا حرج عليه فيما سوى ذلك . { وَإِذَا قُلْتُمْ } قولاً تحكمون به بين الناس ، وتفصلون بينهم الخطاب ، وتتكلمون به على المقالات والأحوال { فَٱعْدِلُواْ } في قولكم بمراعاة الصدق في من تحبون ومن تكرهون ، والإنصاف ، وعدم كتمان ما يلزم بيانه ، فإن الميل على مَنْ تكره بالكلام فيه أو في مقالته من الظلم المحرم . بل إذا تكلم العالم على مقالات أهل البدع ، فالواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه ، وأن يبيِّن ما فيها من الحق والباطل ، ويعتبر قربها من الحق وبُعدها منه . وذكر الفقهاء أن القاضي يجب عليه العدل بين الخصمين في لحظه ولفظه . { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ } وهذا يشمل العهد الذي عاهده عليه العباد من القيام بحقوقه والوفاء بها ، ومن العهد الذي يقع التعاقد به بين الخلق . فالجميع يجب الوفاء به ، ويحرم نقضه والإخلال به . { ذٰلِكُمْ } الأحكام المذكورة { وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ما بينه لكم من الأحكام ، وتقومون بوصية الله لكم حق القيام ، وتعرفون ما فيها من الحكم والأحكام . ولما بيّن كثيراً من الأوامر الكبار ، والشرائع المهمة ، أشار إليها وإلى ما هو أعم منها ، فقال : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً } أي : هذه الأحكام وما أشبهها ، مما بينه الله في كتابه ووضحه لعباده ، صراط الله الموصل إليه وإلى دار كرامته ، المعتدل السهل المختصر . { فَٱتَّبِعُوهُ } لتنالوا الفوز والفلاح ، وتدركوا الآمال والأفراح { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } أي : الطرق المخالفة لهذا الطريق { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } أي : تضلكم عنه وتفرقكم يميناً وشمالاً ، فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم ، فليس ثم إلا طرق توصل إلى الجحيم . { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فإنكم إذا قمتم بما بيّنه الله لكم علماً وعملاً صرتم من المتقين وعباد الله المفلحين ، ووحد الصراط وأضافه إليه لأنه سبيل واحد موصل إليه ، والله هو المعين للسالكين على سلوكه .