Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 154-157)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" ثُمَّ " في هذا الموضع ، ليس المراد منها الترتيب الزماني ، فإن زمن موسى عليه السلام متقدم على تلاوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب ، وإنما المراد الترتيب الإخباري . فأخبر أنه آتى { مُوسَى ٱلْكِتَابَ } وهو التوراة { تَمَاماً } لنعمته ، وكمالاً لإحسانه . { عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } من أُمة موسى ، فإن الله أنعم على المحسنين منهم بنِعَمٍ لا تحصى . من جملتها وتمامها إنزال التوراة عليهم . فتمت عليهم نعمة الله ، ووجب عليهم القيام بشكرها . { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } يحتاجون إلى تفصيله ، من الحلال والحرام ، والأمر والنهي ، والعقائد ونحوها . { وَهُدًى وَرَحْمَةً } أي : يهديهم إلى الخير ، ويعرفهم بالشر ، في الأُصول والفروع . { وَرَحْمَةً } يحصل به لهم السعادة والرحمة والخير الكثير . { لَّعَلَّهُمْ } بسبب إنزالنا الكتاب والبينات عليهم { بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } فإنه اشتمل من الأدلة القاطعة على البعث والجزاء بالأعمال ، ما يوجب لهم الإيمان بلقاء ربهم والاستعداد له . { وَهَـٰذَا } القرآن العظيم ، والذكر الحكيم . { كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ } أي : فيه الخير الكثير والعلم الغزير ، وهو الذي تستمد منه سائر العلوم ، وتستخرج منه البركات ، فما من خير إلا وقد دعا إليه ورغب فيه ، وذكر الحكم والمصالح التي تحث عليه ، وما من شر ، إلا وقد نهى عنه وحذّر منه ، وذكر الأسباب المنفرة عن فعله وعواقبها الوخيمة { فَٱتَّبِعُوه } فيما يأمر به وينهى ، وابنوا أصول دينكم وفروعه عليه { وَٱتَّقُواْ } الله تعالى أن تخالفوا له أمراً { لَعَلَّكُمْ } إن اتبعتموه { تُرْحَمُونَ } فأكبر سبب لنيل رحمة الله اتباع هذا الكتاب علماً وعملاً . { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } أي : أنزلنا إليكم هذا الكتاب المبارك قطعاً لحجتكم ، وخشية أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ، أي : اليهود والنصارى . { وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } أي : تقولون لَمْ تنزل علينا كتاباً ، والكتب التي أنزلتها على الطائفتين ليس لنا بها علم ولا معرفة ، فأنزلنا إليكم كتاباً ، لم ينزل من السماء كتاب أجمع ولا أوضح ولا أبين منه . { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } أي : إما أن تعتذروا بعدم وصول أصل الهداية إليكم ، وإما أن تعتذروا ، [ بعدم ] بكمالها وتمامها ، فحصل لكم بكتابكم أصل الهداية وكمالها ، ولهذا قال : { فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } وهذا اسم جنس ، يدخل فيه كل ما يبين الحق { وَهُدًى } من الضلالة { وَرَحْمَةٌ } أي : سعادة لكم في دينكم ودنياكم ، فهذا يوجب لكم الانقياد لأحكامه والإيمان بأخباره ، وأن مَنْ لم يرفع به رأساً وكذب به ، فإنه أظلم الظالمين ، ولهذا قال : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا } أي : أعرض ونأى بجانبه . { سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } أي : العذاب الذي يسوء صاحبه ويشق عليه . { بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } لأنفسهم ولغيرهم ، جزاءً لهم على عملهم السيّىء { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] . وفي هذه الآيات دليل على أن علم القرآن أجل العلوم وأبركها وأوسعها ، وأنه به تحصل الهداية إلى الصراط المستقيم ، هداية تامة لا يحتاج معها إلى تخرص المتكلمين ، ولا إلى أفكار المتفلسفين ، ولا لغير ذلك من علوم الأولين والآخرين . وأن المعروف أنه لم ينزل جنس الكتاب إلاّ على الطائفتين ، [ من ] اليهود والنصارى ، فهم أهل الكتاب عند الإطلاق ، لا يدخل فيهم سائر الطوائف ، لا المجوس ولا غيرهم . وفيه : ما كان عليه الجاهلية قبل نزول القرآن ، من الجهل العظيم وعدم العلم بما عند أهل الكتاب ، الذين عندهم مادة العلم ، وغفلتهم عن دراسة كتبهم .