Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 158-158)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : هل ينظر هؤلاء الذين استمر ظلمهم وعنادهم ، { إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ } مقدمات العذاب ، ومقدمات الآخرة بأن تأتيهم { ٱلْمَلاۤئِكَةُ } لقبض أرواحهم ، فإنهم إذا وصلوا إلى تلك الحال لم ينفعهم الإيمان ولا صالح الأعمال . { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } لفصل القضاء بين العباد ، ومجازاة المحسنين والمسيئين . { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } الدالة على قرب الساعة . { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } الخارقة للعادة ، التي يعلم بها أن الساعة قد دنت ، وأن القيامة قد اقتربت . { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً } أي : إذا وجد بعض آيات الله لم ينفع الكافر إيمانه أن آمن ، ولا المؤمن المقصر أن يزداد خيرُه بعد ذلك ، بل ينفعه ما كان معه من الإيمان قبل ذلك ، وما كان له من الخير المرجوّ قبل أن يأتي بعض الآيات . والحكمة في هذا ظاهرة ، فإنه إنما كان الإيمان ينفع إذا كان إيماناً بالغيب ، وكان اختياراً من العبد ، فأما إذا وجدت الآيات صار الأمر شهادة ، ولم يبق للإيمان فائدة ، لأنه يشبه الإيمان الضروري ، كإيمان الغريق والحريق ونحوهما ، ممن إذا رأى الموت أقلع عمّا هو فيه ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } [ غافر : 84 - 85 ] . وقد تكاثرت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد ببعض آيات الله ، طلوع الشمس من مغربها ، وأن الناس إذا رأوها آمنوا ، فلم ينفعهم إيمانهم ، ويُغلق حينئذ بابُ التوبة . ولما كان هذا وعيداً للمكذبين بالرسول صلى الله عليه وسلم منتظراً ، وهم ينتظرون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه قوارع الدهر ومصائب الأمور ، قال : { قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ } فستعلمون أينا أحق بالأمن . وفي هذه الآية دليل لمذهب أهل السُنّة والجماعة في إثبات الأفعال الاختيارية لله تعالى ، كالاستواء والنزول ، والإتيان لله تبارك وتعالى ، من غير تشبيه له بصفات المخلوقين . وفي الكتاب والسُنّة من هذا شيء كثير ، وفيه أن من جملة أشراط الساعة طلوع الشمس من مغربها . وأن الله تعالى حكيم قد جرت عادته وسُنّته أن الإيمان إنما ينفع إذا كان اختيارياً لا اضطرارياً ، كما تقدم . وأن الإنسان يكتسب الخير بإيمانه فالطاعة والبر والتقوى إنما تنفع وتنمو إذا كان مع العبد الإيمان . فإذا خلا القلب من الإيمان لم ينفعه شيء من ذلك .