Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 51-55)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا القرآن نذارة للخلق كلهم ، ولكن إنما ينتفع به { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } فهم متيقنون للانتقال من هذه الدار إلى دار القرار ، فلذلك يستصحبون ما ينفعهم ويدَعُون ما يضرهم . { لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ } أي : لا من دون الله { وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } أي : من يتولى أمرهم فيحصّل لهم المطلوب ، ويدفع عنهم المحذور ، ولا من يشفع لهم ، لأن الخلق كلهم ليس لهم من الأمر شيء . { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الله بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، فإن الإنذار موجب لذلك ، وسبب من أسبابه . { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } أي : لا تطرد عنك وعن مجالستك أهل العبادة والإخلاص ، رغبة في مجالسة غيرهم ، من الملازمين لدعاء ربهم ، دعاء العبادة بالذكر والصلاة ونحوها ، ودعاء المسألة في أول النهار وآخره ، وهم قاصدون بذلك وجه الله ، ليس لهم من الأغراض سوى ذلك الغرض الجليل ، فهؤلاء ليسوا مستحقين للطرد والإعراض عنهم ، بل مستحقون لموالاتهم ومحبتهم ، وإدنائهم وتقريبهم ، لأنهم الصفوة من الخلق وإن كانوا فقراء ، والأعزاء في الحقيقة وإن كانوا عند الناس أذلاء . { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } أي : كلٌّ له حسابه ، وله عمله الحسن وعمله القبيح . { فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } وقد امتثل صلى الله عليه وسلم هذا الأمر أشد امتثال ، فكان إذا جلس الفقراء من المؤمنين صبر نفسه معهم ، وأحسن معاملتهم ، وألان لهم جانبه ، وحسن خلقه ، وقربهم منه ، بل كانوا هم أكثر أهل مجلسه رضي الله عنهم . وكان سبب نزول هذه الآيات ، أن أناساً [ من قريش ، أو ] من أجلاف العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أردت أن نؤمن لك ونتبعك ، فاطرد فلاناً وفلاناً ، أناساً من فقراء الصحابة ، فإنا نستحيي أن ترانا العرب جالسين مع هؤلاء الفقراء ، فحمله حبه لإسلامهم واتباعهم له ، فحدثته نفسه بذلك . فعاتبه الله بهذه الآية ونحوها . { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } أي : هذا من ابتلاء الله لعباده ، حيث جعل بعضهم غنياً وبعضهم فقيراً ، وبعضهم شريفاً ، وبعضهم وضيعاً ، فإذا مَنَّ الله بالإيمان على الفقير أو الوضيع . كان ذلك محل محنة للغني والشريف فإن كان قصده الحق واتباعه آمن وأسلم ، ولم يمنعه من ذلك مشاركه الذي يراه دونه بالغنى أو الشرف ، وإن لم يكن صادقاً في طلب الحق ، كانت هذه عقبة ترده عن اتباع الحق . وقالوا محتقرين لمن يرونهم دونهم : { أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } فمنعهم هذا من اتباع الحق ، لعدم زكائهم ، قال الله مجيباً لكلامهم المتضمن الاعتراض على الله في هداية هؤلاء ، وعدم هدايتهم هم . { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ } الذين يعرفون النعمة ، ويقرون بها ، ويقومون بما تقتضيه من العمل الصالح ، فيضع فضله ومنته عليهم ، دون من ليس بشاكر ، فإن الله تعالى حكيم لا يضع فضله عند مَنْ ليس له بأهل ، وهؤلاء المعترضون بهذا الوصف ، بخلاف مَنْ مَنَّ الله عليهم بالإيمان من الفقراء وغيرهم فإنهم هم الشاكرون . ولما نهى الله رسولَه عن طرد المؤمنين القانتين ، أمَره بمقابلتهم بالإكرام والإعظام ، والتبجيل والاحترام ، فقال : { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ } أي : وإذا جاءك المؤمنون ، فحَيِّهم ورحِّب بهم ولَقِّهم منك تحية وسلام ، وبشّرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم ، من رحمة الله وسَعة جوده وإحسانه ، وحثهم على كل سبب وطريق ، يوصل لذلك . ورَهِّبْهم من الإقامة على الذنوب ، وأْمُرْهم بالتوبة من المعاصي لينالوا مغفرة ربهم وجوده ، ولهذا قال : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ } أي : فلا بد مع ترك الذنوب والإقلاع والندم عليها ، من إصلاح العمل وأداء ما أوجب الله ، وإصلاح ما فسد من الأعمال الظاهرة والباطنة . فإذا وجد ذلك كله { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : صب عليهم من مغفرته ورحمته ، بحسب ما قاموا به مما أمرهم به . { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } أي : نوضحها ونبينها ، ونميز بين طريق الهدى من الضلال ، والغي والرشاد ، ليهتدي بذلك المهتدون ، ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه . { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } الموصلة إلى سخط الله وعذابه ، فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت أمكن اجتنابها والبُعد منها ، بخلاف ما لو كانت مشتبهة ملتبسة ، فإنه لا يحصل هذا المقصود الجليل .