Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 19-22)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما اختلف بعض المسلمين ، أو بعض المسلمين وبعض المشركين ، في تفضيل عمارة المسجد الحرام ، بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج ، على الإيمان باللّه والجهاد في سبيله ، أخبر اللّه تعالى بالتفاوت بينهما ، فقال : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ } أي : سقيهم الماء من زمزم كما هو المعروف إذا أطلق هذا الاسم ، أنه المراد { وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ } . فالجهاد والإيمان باللّه أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة ، لأن الإيمان أصل الدين ، وبه تقبل الأعمال ، وتزكو الخصال . وأما الجهاد في سبيل اللّه فهو ذروة سنام الدين ، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع ، وينصر الحق ويخذل الباطل . وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج ، فهي وإن كانت أعمالاً صالحة ، فهي متوقفة على الإيمان ، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد ، فلذلك قال : { لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أي : الذين وصفهم الظلم ، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير ، بل لا يليق بهم إلا الشر . ثمَّ صرح بالفضل فقال : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ } بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة { وَأَنْفُسِهِمْ } بالخروج بالنفس { أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } أي : لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب ، إلا من اتصف بصفاتهم ، وتخلق بأخلاقهم . { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم } جوداً منه ، وكرماً وبراً بهم ، واعتناء ومحبة لهم ، { بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ } أزال بها عنهم الشرور ، وأوصل إليهم [ بها ] كل خير . { وَرِضْوَانٍ } منه تعالى عليهم ، الذي هو أكبر نعيم الجنة وأجله ، فيحل عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبداً . { وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } من كل ما اشتهته الأنفس ، وتلذ الأعين ، مما لا يعلم وصفه ومقداره إلا اللّه تعالى ، الذي منه أن اللّه أعد للمجاهدين في سبيله مئة درجة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم . { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } لا ينتقلون عنها ، ولا يبغون عنها حِوَلاً ، { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } لا تستغرب كثرته على فضل اللّه ، ولا يتعجب من عظمه وحسنه على من يقول للشيء كن فيكون .