Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 79-80)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا أيضاً من مخازي المنافقين ، فكانوا - قبحهم اللّه - لا يدعون شيئاً من أمور الإسلام والمسلمين يرون لهم مقالاً ، إلا قالوا وطعنوا بغياً وعدواناً ، فلما حثَّ اللّه ورسوله على الصدقة ، بادر المسلمون إلى ذلك ، وبذلوا من أموالهم كل على حسب حاله ، منهم المكثر ، ومنهم المقل ، فيلمزون المكثر منهم ، بأن قصده بنفقته الرياء والسمعة ، وقالوا للمقل الفقير : إن اللّه غني عن صدقة هذا ، فأنزل اللّه تعالى : { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } أي : يعيبون ويطعنون { ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } فيقولون : مراؤون ، قصدهم الفخر والرياء . { وَ } يلمزون { الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } فيخرجون ما استطاعوا ويقولون : اللّه غني عن صدقاتهم { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } . فقابلهم الله على صنيعهم بأن { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فإنهم جمعوا في كلامهم هذا بين عدة محاذير . منها : تتبعهم لأحوال المؤمنين ، وحرصهم على أن يجدوا مقالاً يقولونه فيهم ، واللّه يقول : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور : 19 ] . ومنها : طعنهم بالمؤمنين لأجل إيمانهم ، كفر باللّه تعالى وبغض للدين . ومنها : أن اللمز محرم ، بل هو من كبائر الذنوب في أمور الدنيا ، وأما اللمز في أمر الطاعة ، فأقبح وأقبح . ومنها : أن من أطاع اللّه وتطوع بخصلة من خصال الخير ، فإن الذي ينبغي [ هو ] إعانته وتنشيطه على عمله ، وهؤلاء قصدوا تثبيطهم بما قالوا فيهم وعابوهم عليه . ومنها : أن حكمهم على من أنفق مالاً كثيراً بأنه مراء ، غلط فاحش ، وحكم على الغيب ، ورجم بالظن ، وأي شر أكبر من هذا ؟ ! ! ومنها : أن قولهم لصاحب الصدقة القليلة : " اللّه غني عن صدقة هذا " كلام مقصوده باطل ، فإن اللّه غني عن صدقة المتصدق بالقليل والكثير ، بل وغني عن أهل السماوات والأرض ، ولكنه تعالى أمر العباد بما هم مفتقرون إليه ، فاللّه - وإن كان غنياً عنهم - فهم فقراء إليه { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] وفي هذا القول من التثبيط عن الخير ما هو ظاهر بيِّن ، ولهذا كان جزاؤهم أن سخر اللّه منهم ، ولهم عذاب أليم . على وجه المبالغة ، وإلا فلا مفهوم لها . { فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } كما قال في الآية الأخرى : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [ المنافقون : 6 ] ثم ذكر السبب المانع لمغفرة اللّه لهم فقال : { لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } والكافر لا ينفعه الاستغفار ولا العمل ما دام كافراً . { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } أي : الذين صار الفسق لهم وصفاً ، بحيث لا يختارون عليه سواه ولا يبغون به بدلاً يأتيهم الحق الواضح فيردونه ، فيعاقبهم اللّه تعالى بأن لا يوفقهم له بعد ذلك .